فحسب، بل لأنه كان بإمكانه أيضًا اكتساب عاطفة الشعب الوطنية. إلا أنه كان يشكو من عيب كبير، هو انتماؤه إلى إحدى العائلات التركية القديمة التي أثرت وقويت في خدمة محمد علي وخلفائه. ولعله لم يستطع، لكونه «السيد الكبير»، أن يستهوي المصريين كما استهواهم سعد الذي كتب عنه دبلوماسي إنكليزي قائلًا: «كان زغلول إنسانًا إلى حد بعيد. فهو، مثلًا، يحب القمار والنكت البذيئة والطعام الطيب ... وهو، بمعنى من المعاني، أول مصري يمثل المصريين حقًا ويعتبر ابن الأرض النقي. فهو إن أرعد فكنبي صغير، أو مزح فكأحد أبناء العامة» (59).

لكن عدلي كان، من جهة أخرى، رجلًا سياسيًا موهوبًا، وذا أخلاق شريفة ولطيفة، وليبراليًا، ووطنيًا أيضًا لكن على طريقته الخاصة. فقد شجع الوفد في مراحله الأولى، وذهب إلى باريس بطلب من سعد في 1920 للعمل على إنجاح المحادثات مع بعثة ميلنر. لكن المنافسة قامت بين الرجلين بالرغم من العلاقات الودية التي كانت تربطهما. فقد اختلف أعضاء الوفد فيما بينهم حول الموقف الواجب اتخاذه من اقتراحات ميلنر، فالتف حول عدلي القائلون بقبولها، بما فيهم لطفي السيد. وعندما أعلنت الحكومة البريطانية، بعد نشر اقتراحات ميلنر، استعدادها للمفاوضة، اتسع الخلاف. فأصر عدلي، وكان قد أصبح رئيسًا للوزراء، على أن الحكومة هي التي يجب، مع موافقة الوفد طبعًا، أن تقوم بالمفاوضات، بينما أصر سعد على أن يكون الوفد هو المفاوض الوحيد. وقد بدا إذ ذاك لبعض الزعماء المصريين أن إصرار سعد هذا إنما هو بمثابة الزعم بأن من حق رجل واحد، لم تمنحه القوانين المرعية هذا الحق، أن يفرض إرادته على صاحب العرش وعلى البلاد بمجموعها، وأن يتعدى في سبيل ذلك حدود القانون والنظام (60). لذلك كان في وسع البعض ممن كانوا أكثر تحفظًا وخبرة من سعد، أو على غير استعداد لقبول وجهة نظره، أن يجدوا في عدلي زعيمًا يسهل العمل معه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015