وهكذا كان من الضروري لسعد أن يمنع عدلي من التفاوض باسم مصر. أو إذا استحال ذلك، أن يحول دون نجاح المفاوضات. واستمر هذا الصراع حول السلطة طيلة ذلك العام، حتى انتهى بزج سعد في السجن ثم بنفيه مرة ثانية، كما انتهى أيضًا بإخفاق المحادثات بين عدلي وكورزون. وقد ظهرت، في أثناء هذا الصراع، نظرية جديدة لسعد في ماهية الوفد، وفي ما هو بالنسبة للوفد، فقال بأن الوفد ليس حزبًا سياسيًا، شارحًا ذلك بقوله: «يقولون أين برنامجكم؟ فنقول نحن لسنا بحزب وإنما نحن وفد موكل عن الأمة يعبر عن إرادتها في موضوع عينته لنا، هو الاستقلال التام. فنحن نسعى لهذه الغاية وحدها ... أما المسائل الداخلية: هل يكون التعليم إجباريًا ومجانًا أم بمصاريف؟ هل يجب في الأمور الاقتصادية أن يكون هناك فوائد على الدين؟ هل نزرع القطن في ثلث الزمام أو نصفه؟ فهذه مسائل أترك الأمر فيها لمن هو أعرف مني بها. وأما فيما يتعلق بالاستقلال، فنحن أمة لا حزب. ومن يقول لنا إننا حزب يطلب الاستقلال يكون مجرمًا. لأن هذا يدل على أن في الأمة حزبًا أو أحزابًا أخرى لا تريد الاستقلال. أن الأمة بتمامها تريد الاستقلال التام، ونحن تراجمة الأمة فيما يتعلق بهذا الاستقلال. نحن أمناء الأمة فيما يتعلق بهذا الاستقلال» (61).

كان الوفد جزءًا ثابتًا من كيان مصر السياسي، لا بل الأمة المصرية نفسها منتظمة للعمل في سبيل أهداف سياسية. كانت مهمة الحكومة أن تحكم، أما مهمة الوفد وزعيمه فكانت تمثيل الرأي العام. فعلى الحكومة أن تقبل بذلك، فلا تحاول توجيه الرأي العام أو التأثير فيه ضد الوفد؛ وإذا ما دخلت في مفاوضات فعليها أن تضع أمام الوفد نتيجة مفاوضاتها (62). وبتعبير آخر، كان الحكم أمرًا ثانويًا بالنسبة للوفد، فهو، في الحكم أو خارج الحكم، الحارس الدائم للمصلحة العامة. إن هذه التأكيدات التي صيغت خلال استعار النزاع غدت، فيما بعد، جزءًا من عقيدة الوفد، وكان لها تأثير عميق في آرائه وسياسته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015