النشاط. لأن القانون الخلقي الوحيد الذي يمكنه الاعتراف به إنما هو الواجب الوطني. ثم أضاف قائلًا أن الأمة انتدبته للعمل من أجل استقلالها، وما من أحد سواها له الحق في أن يمنعه من القيام بهذا الواجب المقدس (57). إن مثل هذا الموقف إنما هو تأكيد للمبدأ، ناهيك بأنه يتضمن. منطقيًا، منهاجًا للعمل. فالطريقة الوحيدة التي كان يمكن لسعد بلوغ أهدافه بها إنما كانت توليد التأييد الشعبي، أو بكلمة أخرى، جعل الأمة تتصرف كما لو كان ادعاؤه صحيحًا. نعم، كان بإمكانه استخدام وسيلة أخرى. فهو، كمصطفى كامل، لا بل كجميع الزعماء الوطنيين في البلدان الخاضعة للدول الديمقراطية، قد وثق إلى حد ما بالأحرار الأوروبيين، فكان يقول: إذا لم تساعدنا أي حكومة أجنبية، فلنا بين شعوبها عددًا من الأحرار ممن يعطفون على قضيتنا ويخدمونها بالخطابة والكتابة (58). لكن هذه الوسيلة لم تكن في نظره سوى وسيلة ثانوية. أما الوسيلة الأولى، فهي التأييد الشعبي. ولكي يتمكن من استخدام هذه الوسيلة، توجب عليه أن يفرض سلطته على الشعب المصري، بحيث يضطر البريطانيون للقبول به ناطقًا وحيدًا باسم مصر.
وفي أواخر 1919، كان هذا النهج الذي سلكه قد بلغ نهايته أو كاد. فمقاطعة الشعب المصري لبعثة ميلنر، وصعوبة تأليف حكومة تتسلم الحكم في أثناء إقامة تلك البعثة في مصر، قد ترك أثره في ميلنر وزملائه، بحيث حملهم على التفاوض مع سعد بصفة شخصية. إذ بدا لهم أن اتفاقًا يعقده سعد مع بريطانيا، هو اتفاق يقبل به الشعب المصري ولا يقبل بسواه. وهكذا لم يعد أحد يشك بصحة أوراق اعتماده كزعيم الشعب. لكنه، مع هذا، لم يكن هو الحكومة المصرية. وهذا ما كان محور القضية في أثناء الأزمة الثانية، أي أزمة 1921، التي وقعت عندما حاول عدلي باشا آن يهيئ نفسه لإجراء مفاوضات تمهد لعقد معاهدة مع بريطانيا. وهو في ذلك قد كاد يتغلب على سعد، لا لأن في يده سلطة الحكومة