البريطاني ومحاولة الانتفاع به لمصلحة البلاد. وعلى هذا قد يكون الكثير من تصرفات سعد التي بدت عنيفة وغير متعقلة راجعًا إلى طبيعة المشاكل السياسية التي واجهته. وبتعبير آخر، كان سعد يحاول أن يقود حركة جديدة لا عهد لمصر بها من قبل، وفي ظروف كانت تجعل بعض الأعمال مستحيلة وبعضها محتمة، فأثرت طبيعة الأفعال التي كان عليه القيام بها في المفاهيم التي كان يفهم ذاته على ضوئها ويبرر نفسه.

كان الوفد الذي زار السير رجينالد فنفات في تشرين الثاني 1918 وفدًا قد شكل نفسه بنفسه، وكان ادعاؤه التكلم باسم الشعب المصري لا أساس له سوى ذلك الادعاء نفسه. وإذ لم يكن هناك برلمان أو جهاز آخر منظم ومعترف به ومؤهل للتعبير عن الرأي العام، فلم يكن من بد لذلك الوفد، لدعم ادعائه هذا تجاه البريطانيين وتجاه منافسيه، من فرض إرادته عليهم، وذلك بتوليد نوع من القوة يستعيض بها عن القوة التي كان من الممكن استمدادها من أكثرية برلمانية في بلد دستوري، أو من جيش، أو من شبكة من العلاقات الخارجية في بلد مستقل. وهكذا كان لا بد له من تحقيق غرضين جوهريين، الواحد مرتبط بالآخر: إيجاد قوة بديلة عن القوة البرلمانية والوطنية، وإيجاد أساس معنوي لأعماله، أي نوع من التبرير المعنوي لادعائه حق التفاوض باسم الشعب المصري، وعند الاقتضاء تحدي السلطة القائمة، أكانت سلطة الدولة الحامية أم سلطة الحكومة الشرعية.

وقد اجتازت هذه العملية فترتين حرجتين: الأولى فترة اصطدام سعد الأول بالبريطانيين في 1918 - 1919، إذ رفضت وزارة الخارجية البريطانية السماح له بالسفر إلى لندن وباريس للتباحث في مستقبل مصر. كان هذا الرفض بالحقيقة بمثابة عدم قبول البريطانيين بادعائه حق التكلم باسم الشعب المصري. نعم، كان سعد رجلًا ذا منزلة وخبرة؛ لكنه لم يكن وحده يتحلى بهذه الصفات، فضلًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015