عند سعد زغلول، حين واجهت المصاعب علي عبد الرازق من جراء كتابه عن «الإسلام وأصول الحكم». كان من المتوقع أن يبدي سعد بعض العطف على رجل لم يكن من أتباع محمد عبده فحسب، بل ممن توسعوا في تطبيق مبادئه في التفسير- حتى لو اعتبر هذا التوسع انحرافًا. فكان شهيدًا للحرية الفكرية. لكن سعد لم يظهر نحوه أي عطف، لا بل سره أن تحل به هذه المحنة، لاتصاله بالحزب الدستوري الحر الذي أسسه المنشقون الأول عن الوفد، ولأن مثل هذه المحنة فضيحة كان من شأنها إضعاف هذا الحزب المنافس (52).
لم يكن سعد رجل فكر بالمعنى الدقيق، بل رجل اتجه ذهنه بطبيعته نحو الأمور العملية. كانت ثقافته ثقافة رجل عملي: فلم يطالع من الكتب إلا ما كان له علاقة بعمله، ولم يدرس اللغة الفرنسية لأنها كانت مفتاح كنوز المدنية الحديثة، بل لأنها كانت ضرورية لعمل رجل سياسي طموح. كما أنه لم يدرس اللغة الإنكليزية إلا لتساعده على التعامل مع الإنكليز، وبعض أصول اللغة الألمانية في أثناء الحرب العالمية الأولى إلا تحسبًا للمستقبل. وكان دافعه الرئيسي لقراءة القرآن العثور على آيات مفيدة يستشهد بها (53). وإذا كانت وجهة نظره قد تغيرت فيما بعد، فليس لتغيير طرأ على طبعه، بل لضرورة الاستجابة لقضايا عملية جابهته. فتردده، في هذه المرحلة، في التعاون مع الإنكليز لا يفسره إلا ما طرأ من تحول على وضع بريطانيا في مصر والعالم. ففي 1918 كانت السلطة الإدارية الإنكليزية في مصر قد تزايدت وأخذت تستهدف حماية المصالح البريطانية، لا تحقيق ما كان ضروريًا لإصلاح مصر، كما كان في الماضي. أضف إلى ذلك أن نقاط ولسن الأربعة عشرة ووعود الحلفاء الأخرى كانت قد خلقت روحًا جديدًا في العالم. ولعل هذا التغير هو ما يفسر اهتمام سعد، آنذاك، بالإصلاح الداخلي أكثر من اهتمامه بالاستقلال. فقبل 1914، كان حتى الاستقلال المحدود مستحيلًا، ولم يكن لمصلح مصري عملي من خيار سوى القبول بالوجود