المثقفة. والواقع أن فكرة مناصرة المرأة كانت قد أصبحت، منذ قاسم أمين، هاجس التفكير الوطني في مصر. وليس من قبيل المصادفة أن تدخل في عداد الأيام الوطنية الخالدة تلك الأيام التي سارعت فيها النساء، بقيادة هدى شعراوي، إلى خلع الحجاب والاشتراك في الحياة العامة.
لكن استمرار الصراع أدى تدريجًا إلى تضاؤل ساعات التفكير الهادئ. فأخذ الجميع يلاحظون، مصريين كانوا أم أجانب، أن «الزعيم» بدأ يتكلم بلهجة جديدة وبإلحاح آخر. لقد أصبح أكثر استبدادًا، لا بل أكثر ميلًا إلى الانتقام في علاقاته مع الزعماء الآخرين. ولم يمر زمن طويل على الوفد حتى أخذ يتصدع من أعلى. فلم ينفصل عنه السياسيون الطموحون فحسب، أمثال محمد محمود وإسماعيل صدقي، بل لطفي السيد أيضًا، وهو ذلك المتعقل القنوع وزميل سعد في التلمذة على محمد عبده. وأصبح سعد أيضًا أكثر تعنتًا في تصرفاته مع الآخرين وأضيق في مفهومه للأمة المصرية. فقد قال في إحدى خطبه بأن أهم نتائج الثورة كانت تمصير الاقتصاد المصري، وخلع الحجاب، واشتراك المرأة في الحركة الوطنية، وإزالة طبقة الباشوات، وتسلم الفلاحين الحكم، واختفاء العنصر التركي من السياسة المصرية (51). ثم أضاف قائلًا: أن الاستقلال آت بعد كل ذلك. لأن لا قيمة للاستقلال الخارجي إن لم يرافقه التحرر الداخلي أيضًا. كانت آراء كهذه مما يرضى عنه محمد عبده، باستثناء المسائل الثلاث الأخيرة. فقد كان محمد عبده يدعو دومًا إلى الوحدة الاجتماعية (الوطنية والدينية على السواء)، وإلى توافق جميع المصالح، وإلى فكرة عن الأمة المصرية لا تعير العرق أي وزن.
فما الذي أحدث هذا التغيير في سعد زغلول؟ هنالك من يزعم أن بريق السلطة قد أخل بتوازن طبعه. وفي هذا، ولا شك، بعض الحقيقة. فمن شأن الحياة السياسية أن تقوي في الإنسان ما قد يكون عليه أصلًا من ميل إلى العنف والانتقام. وقد ظهر ذلك بوضوح،