في الانتخابات، إلى إصلاح النظام التشريعي، وتوسيع نطاق التربية بحيث تشمل أولاد الفقراء، ومنح الصحافة حرية أوسع ضمن حدود النظام العام، وإصلاح البلديات في القاهرة، وتحسين أوضاع الفلاحين (49). وعندما اضطر، بعد انتخابه، إلى معارضة الحكومة، متخذًا بذلك أولى خطواته نحو الشهرة، بقي سائرًا على هذا النهج ذاته. ذلك أن عدم سيادة القانون، أو حكم الخديوي المطلق، قد ظل، كما كان، موضع خصومته. ومن أجل إحراز النصر، لم يتردد في استخدام البريطانيين ما أمكن، مع أنه لم يكن من مؤيدي وجودهم بلا حساب، ولا ممن يطيقون منهم كثرة الرقابة والتدخل.
أما شخصيته فلم تتغير إلا قليلًا، بعدما أصبح الزعيم الشعبي لمصر. فقد بقيت الأفكار ذاتها قابعة في ذهنه حتى آخر حياته، كما بقي، على الأقل في الساعات الهادئة، تلميذ جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده. ولم يتنازل عن إيمانه بالديمقراطية أسلوبًا للحكم. ذلك أن الحكومة في نظره هي لخدمة صالح الفرد والمجتمع، ولذلك حق لها أن تطلب مساعدة الشعب. لكن الشعب المصري ينظر إلى الحكومة نظرة العصفور إلى الصياد، لا نظرة الجيش إلى القائد. فمن الواجب استبدالها، بحيث يثق الشعب بالحكومة ويقتنع بأنها جزء من الأمة (50). وقد حاول، في الخطب الأولى التي دشن بها زعامته السياسية، إزالة المخاوف بالتعبير عن اعترافه بمصالح جميع الفئات: مصالح الأجانب المالية، ومصالح العالم في قناة السويس، ومصالح الأقباط داخل المجتمع القومي المصري. وهكذا كانت روحية الوفد الأولى روحية «الاتحاد المقدس»، ووحدة الرابطة القومية التي فيها تذوب الفروقات الدينية. لكن هذه الروحية لم تدم، لأنها ربما كانت أبسط مما ينبغي، إذ لا تتلاشى الفروقات الدينية بهذه السهولة. لكن ليس من داع للشك في إخلاص سعد زغلول، وهو الذي لم يفقد يومًا تأييد كبار الأقباط. وعلى هذا النحو أيضًا استهوت وطنية الوفد عنصرًا مضطهدًا آخر، هو المرأة المصرية