مفاوضات مع الحكومة البريطانية حول المسائل الأربع المعلقة. وكان رامزي ماكدونالد قد أصبح رئيسًا للوزارة البريطانية، وهو ممن كانوا يعطفون على المطالب المصرية. لكن المفاوضات فشلت، فاشتد التوتر في مصر. وهاجمت دوائر الدعاية في الوفد السياسة البريطانية بعنف. وحين قتل قائد القوات البريطانية، ألقى المفوض السامي المسؤولية على سعد وأتباعه، فوجه إلى الحكومة المصرية إنذارًا صارمًا أدى إلى استقالتها. ثم بدأت مرحلة ظهر فيها الوفد وكأنه خسر المبادرة، إذ تسلمت السلطة حكومة ائتلافية من أشخاص عينهم القصر، ومن الأحرار المستقلين. لكن هذا الائتلاف كان مزعزعًا، ولم يمض وقت طويل حتى طغت قوة القصر على كل شيء، فتصالح المستقلون مع الوفد الذي أخذ يطالب بانتخابات جديدة. وجرت الانتخابات في 1926، ففاز فيها الوفد بالأكثرية. لكن سعد لم يتسلم رئاسة الوزارة في وجه معارضة بريطانيا، بل انتخب رئيسًا لمجلس النواب. وهكذا تشكلت حكومة ائتلافية من الوفدين والأحرار. لكن هذا الائتلاف كان مزعزعًا أيضًا. غير أن تأثير سعد على أتباعه جعله يستمر حتى وفاته في 1927.
تنقسم حياة سعد زغلول العامة إلى قسمين واضحين، تفصلهما حرب 1914 - 1918. على أن هذا التقسيم، ككل التقسيمات في التاريخ أو في حياة الإنسان، إنما هو أقل دقة في الواقع مما هو في الظاهر. لكن من المؤكد أن هناك فرقًا بين سعد زغلول القاضي المصلح، وسعد الزعيم الشعبي، ينم عنه ذلك التباين البادي، إن لم يكن في محتوى تفكيره في شؤون السياسة والمجتمع، فعلى الأقل في مدى إلحاحه على بعض نواحيها. لقد بقيت أفكاره إجمالًا أفكار مدرسة محمد عبده، إلى أن انخرط انخراطًا تامًا في الحياة السياسية. كان موضوع تفكيره مصر، كشيء محدد في المكان ومتصل في الزمان، فرعوني وعربي على السواء. وكان يعتقد أن على مصر أن تستقل، وأن الاستقلال الحقيقي لا يتم إلا بالإصلاح؛