لندن، تفاوض سعد على الصعيد الشخصي (وكان لا يزال في أوروبا). عارضة عليه اعتراف بريطانيا بمصر كدولة مستقلة ومملكة دستورية لقاء ارتباط مصر ببريطانيا بتحالف يمنح البريطانيين حق الاحتفاظ بقوة عسكرية فيها تقتصر على تأمين مواصلات الإمبراطورية. وإذ فشلت هذه المفاوضات مع سعد، حاولت الحكومة البريطانية الاتفاق مع المصريين بدونه. وكان رئيس الوزراء عدلي يكن باشا مستعدًا للقبول بذلك، متحديًا موقف سعد. على أنه طلب إلى سعد الاشتراك في المحادثات، فرفض وراح ويعارض مهمة عدلي بنجاح. إذ ما كادت أن تبدأ المفاوضات، حتى وجد عدلي نفسه عاجزًا عن عقد أي اتفاق. وما ذلك إلا لأن أي اتفاق كان يعني التسوية. فإذا ما قبل هو بالتسوية، تسنى لسعد أن يزايد عليه فيجعل موقفه صعبًا. لذلك استقال في تشرين الثاني 1921. ثم ألقي القبض مجددًا على سعد ونفي إلى جزر سيشيل. لكن هذا التدبير ضد سعد جاء متأخرًا، إذ كان قد أثبت أن ليس بالإمكان عقد أية معاهدة إنكليزية مصرية إلا معه ومع أنصاره. مما لم يترك للحكومة البريطانية إلا سبيلًا واحدًا مفتوحًا أمامها، وهو أن تتنازل، من طرفها وحدها، عما كانت مستعدة للتنازل عنه في أية معاهدة. فأصدر مفوضها السامي، في شباط 1922، إعلانًا باستقلال مصر. وهكذا زالت الحماية وأصبحت مصر مستقلة. إلا أن بريطانيا احتفظت لنفسها بأربع مسائل ريثما يتم الاتفاق عليها فيما بعد: مواصلات الإمبراطورية، والدفاع، والمصالح الأجنبية والأقليات، والسودان.
وهكذا نجح سعد في أن يحقق لمصر استقلالًا مؤقتًا على الأقل، دون أي ارتباط. ثم سمح له بالعودة إلى مصر في أيلول 1923، وكان الدستور قد وضع في أثناء غيابه، كما كانت الانتخابات قد أسفرت عن فوز أنصاره الذين انتظموا في حزب برلماني أطلقوا عليه اسم «حزب الوفد». فاستلم سعد زغلول رئاسة الوزارة، ودخل في