بواسطتها. ربما كان مصطفى كامل مداهنًا، لكنه كان أيضًا أول سياسي شعبي في مصر الحديثة. فهو، لاعتقاده بأنه لا يمكن للدبلوماسية السرية أن تحمل البريطانيين على إقامة حكومة دستورية. إذ أنهم لا يرضخون إلا للضغط، قد حاول إثارة الهمم الوطنية بتشجيع الجمهور على الاهتمام بالسياسة وبتوجيه هذا الاهتمام في سبل من شأنها أن تؤدي إلى تحقيق هدفه. ومن هذه السبل إنشاء حزب ينتشر في طول البلاد وعرضها، وإقامة تظاهرات شعبية، وتنظيم إضرابات يقوم بها الطلاب. ففي 1906 نظم إضرابًا في مدرسة الحقوق كان فاتحة عهد طويل من الهيجان بين الطلاب لم يهدأ إلا عندما هدأ النشاط السياسي نفسه بقيام الحكم العسكري في 1952. كان هناك من يفكر تفكيره، لكن لم يكن لأحد غيره تأثيره في الجماهير. ويمكن القول إن حزبه لم يستعد ما فقده قبل 1914. فهو، وإن ظل يشكل قوة تهابها بريطانيا والخديوي على السواء، لم يوفق قط بعد وفاة مصطفى كامل إلى إيجاد الزعيم المناسب. كان رئيسه الأسمى محمد فريد، وهو رجل جليل لكنه غير فعال. وقد تنحى من تلقاء نفسه عن العمل في 1911 وتوفي في 1919. فتسلم السلطة الحقيقية في الحزب عبد العزيز شاويش الذي كان أستاذًا للغة العربية في جامعة أكسفورد فيما قبل. كان هذا خطيبًا عنيفًا، عرف كيف يوجه مبادئ مصطفى كامل نحو الوحدة الإسلامية والوحدة العثمانية (كان من أصل تونسي لا مصري). إلا أن العمل الوحيد الذي أتاه هو تفجير التوتر الخفي بين الأقباط والمسلمين، بحيث برز بروزًا لم يسبق له مثيل في تاريخ مصر الحديث. وقد غادر، هو أيضًا، مصر إلى تركيا في أثناء الحرب العالمية الأولى، ثم فقد نفوذه عند انتهائها.
لقد غيرت الحرب ماهية القومية المصرية، إذ تحولت من حركة خاصة بالنخبة المثقفة، إلى حركة كان بوسعها، في أوقات الأزمات، أن تظفر إلى حد بعيد بتأييد الشعب بكامله. ويعود هذا التغيير