إلى الأفكار الجديدة وإلى الروح الجديدة الناجمة عن الحرب، وإلى الوعود المبذولة والبيانات الصادرة في أثناء الحرب. وهي وعود وبيانات لم تقتصر على المصريين، إلا أنها أثرت فيهم. كما يعود إلى الضيم الذي عانته مصر في تلك الحقبة. ففي مطلع الحرب، استبدل الخديوي عباس حلمي بعم له كان ألين منه تجاه البريطانيين. ثم ألغيت السيادة العثمانية على مصر وأدخلت هذه في عداد المحميات البريطانية. فأغاظت هذه التدابير مؤيدي الخديوي والمتمسكين بالرابطة العثمانية، كما أذكت مخاوف الذين كانوا يعتقدون أن السياسة البريطانية كانت تتوخى جعل مصر جزءًا من الإمبراطورية البريطانية إلى الأبد. وبالواقع، فقد عوملت مصر، تحت ضغط ظروف الحرب، معاملة المستعمرة. فتكاثر عدد الضباط البريطانيين فيها، دون أن يرفق ذلك تحسن في النوعية، وسيق كثيرون من الفلاحين إلى الخدمة في صفوف القوات الحليفة في فلسطين. نعم، لقد جلب وجود جيش أجنبي كبير في مصر نفعًا للبعض، لكنه أدى أيضًا إلى متاعب ومشاحنات صغيرة وكبيرة. كذلك أفضى ازدياد الطلب العالمي على القطن إلى إثراء بعض الناس، لكنه سبب أيضًا تخصيص مساحات كبرى من الأرض لزراعة القطن، مما جعل المساحة اللازمة لإنتاج الغذاء غير كافية. وعندما ضاق باب الاستيراد، في السنوات الأخيرة من الحرب، أصبح الغذاء قليلًا وباهظ الثمن. وبتغيير الروح تغيرت القيادة. فلم يعد الحزب الوطني الذي أسسه مصطفى كامل الحزب المعبر عن المشاعر الجديدة، بل انتقلت الزعامة إلى رجل لم يكن قط من مدرسة مصطفى كامل، وإلى حزب كانت مبادئه مختلفة عن مبادئها.
كان هذا الزعيم الجديد سعد زغلول (43). لكنه لم يكن جديدًا إلا كسياسي شعبي. فقد كان ينتمي إلى جيل أقدم بقليل من جيل مصطفي كامل، وكان معروفًا جدًا كشخصية من أبرز الشخصيات بين رفاق محمد عبده. وكانت أصوله العائلية شبيهة جدًا بأصول محمد عبده.