علي وزعماء أهالي القاهرة في أثناء حوادث 1905 المعقدة، أسفر عن أن هؤلاء عرضوا عليه حكم مصر فوافقت الحكومة العثمانية فيما بعد على هذا الاختيار (38). وهنا يقول مصطفى كامل: في هذه البرهة نشأت الرابطة المعنوية بين الأسرة الحاكمة والأمة (39).
ويقول مصطفى كامل أيضًا إن هذه الرابطة قائمة بين الأقباط والمسلمين إذ عاشوا معًا، طيلة قرون عديدة، في منتهى الوحدة والتجانس. لكن هذا لا يعني، في نظره، أن على أي من الفريقين أن يتخلى عن دينه، أو أن على مصر أن تكف عن كونها إسلامية قبل كل شيء. فهناك دائرتان: الدين والحياة الوطنية، وليس من داع لأن يقوم نزاع بينهما، إذ أن الدين الحقيقي يعلم الوطنية الحقيقية (40). وقد كانت هذه المبادئ التي أعلنها مصطفى كامل فوق الشبهات، لكن الأقليات لم تثق به، بل كانت تأخذ عليه ضعف إيمانه بتلك المبادئ، لا بل استعداده لتضحيتها في سبيل بلوغ السلطة أو من أجل المصلحة الوطنية كما كان يفهمها، هذا فضلًا عن أنها رأت خطرًا في إثارته لقوى شعبية يستحيل عليه ضبطها فيما بعد. ويصح هذا أيضًا على علاقاته بالجاليات الأجنبية في مصر. فقد حاول استمالتها إليه، وكان يصرح بأن الأجانب والمصريين مصلحة واحدة في منع البريطانيين من الاستيلاء على كل شيء في مصر، وأن الأجانب ينفعون مصر نفعًا حقيقيًا، فهم «طلائع المدنية الغربية» فيها، و «ضمانة التقدم والرفاهية» (41). لكن نبرة صوته كانت تتغير كلما تحدث عن «الدخلاء» اللبنانيين الذين كانوا، في اعتقاده، يساعدون السلطة المحتلة. وهذه هي تعابيره عنهم بالحرف الواحد: «الدخلاء! الدخلاء! الدخلاء! هؤلاء هم الأعداء! .. لقد أنكروا وطنهم ولم يبادلوا كرم مصر وضيافتها إلا بالعقوق والكراهية» (42).
إن ما يشرح ازدواجية موقف مصطفى كامل وشكوك الأجانب والأقليات فيه إنما هي تلك الأساليب التي كان يأمل تحقيق الوحدة