لكنه يتحدث أحيانًا، لا عن مصر وحدها، بل عن وادي النيل أيضًا، بما فيه السودان. فالشعبان المصري والسوداني كانا عبر التاريخ شعبًا واحدًا (33). وكان كثير الشك في نوايا البريطانيين ويخشى أن يحاولوا، بعد افتتاح السودان، أن يجعلوا منهما شعبين (34). وقد عبر بقوة عن تخوفه من هذا الخطر يوم حضر حفلة فتح سد أسوان في 1902، فقال: «إذا قام الإنكليز في المستقبل ببناء خزانات في السودان، فستصبح مصر تحت رحمتهم وتتعرض لأشد الأخطار» (35).

وكان يعتقد أنه لا يجوز للغة أو للدين أو للوضع الحقوقي أن يؤثر في تعيين من يمكن أن تشملهم «الوطنية». فهي تضم مبدئيًا جميع القاطنين في مصر. لكنها يجب أن تجمع أولًا بين الحاكم والشعب. وقد ذكرنا سابقًا أن مصطفى كامل كان ينعم برضى الخديوي في سنواته الأولى، فكان من الطبيعي أن يلح على أهمية الرابطة بين الخديوي والأمة. ولكن آماله بعباس حلمي أخذت تتضاءل تدريجًا. فقد تسنى له أن يرى عيوبه الخلقية تتكشف مع مرور الزمن: كشغفه بالمال، وعدم الاستقرار، وقلة الثبات في طبعه. فصرح لبلنط في 1906 «بأن عباسًا وأسرته لا ينفعون شيئًا» (36). وقد تباعد الاثنان بعد 1904، وجرت مصالحة بينهما فيما بعد، ثم وقع التباعد النهائي عندما وضع غورست سياسته موضع التنفيذ. ولا شك في أن هذا ما حمل مصطفى كامل، في السنوات الأخيرة، على المطالبة بحكم دستوري وتمثيلي. لكنه كان يعتقد، بصرف النظر عن رأيه في شخص الحاكم، أن الأسرة المالكة هي التي خلقت مصر الحديثة. ففي خطاب ألقاه في الذكرى المئوية لمجيء محمد علي، أثنى على هذا الأخير لتحقيق الاستقلال وتنظيم الحكم وفتح باب التوظيف لجميع المصريين وتحاشى الديون (37). لكنه أضاف إلى ذلك قائلًا: لم يكن الحاكم في كل هذا سوى تعبير عن إرادة الأمة التي رفعته إلى الحكم باختيار الشعب. والواقع أن تعاونًا وثيقًا قد قام بين محمد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015