على المعونة الخارجية. فهي لا تستطيع بالواقع الحصول على هذه المعونة ما لم يكن لها قوتها الذاتية، كما أثبت ذلك بوضوح الاتفاق الإنكليزي الفرنسي في 1904. وقد قال مصطفى كامل عن هذا الاتفاق أنه ألقى على مصر درسًا علمها أن لا نهوض لها إلا بجهودها الخاصة، وهو يعني بذلك جهودها في سبيل الوحدة قبل كل شيء، وأن الاحتلال البريطاني ما كان ليحصل لولا الانشقاق داخل المعسكر المصري الذي شجع عليه البريطانيون أنفسهم، وبالأخص الانشقاق بين «الجراكسة» و «المصريين»، ذلك الانشقاق الذي لم يكن له من داع ما دام كلا الفريقين مصريين بالفعل. وقد أنحى باللائمة في ذلك على عرابي، قائلًا إن خطة ما قد وضعت لمغادرة عرابي مصر كي يتمكن الفريقان من التفاهم، وهو أمر كان من شأنه أن يحول دون التدخل الأجنبي، وأن حس عرابي الوطني كان يجب أن يحمله على القبول بتلك الخطة (30).

لكن كيف يمكن تحقيق هذه الوحدة؟ كان مصطفى كامل يعتقد، على غرار سواه من وطنيي زمانه، أنه بالإمكان إقامة الوحدة على «الشعور»، أي الإحساس بالانتماء إلى الأمة وبالمسؤولية تجاهها. ففي الوطنية يكمن سر القوة الأوروبية وأساس التمدن. وفي هذا يقول: «وكل ما في هذه الديار من عدل ونظام وحرية واستقلال ونعيم عظيم وملك كبير هو ولا ريب من مبتدعات هذا الإحساس الشريف الذي يسوق أفراد أمة بأسرها إلى العمل لغرض مشترك ومطلب واحد» (31).

أما «موضوع» هذا الشعور، لدى مصطفى كامل وسواه ممن سبقه من الكتاب، فلم يكن لا اللغة ولا الدين، بل أرض مصر. فهو يتغنى بجمال مصر وماضيها العظيم. وهو لا يعتبر المصريين، بل «بلاد» مصر هي الإله الذي يعبده، «لأن مصر، وهي جنة الدنيا، لا تستحق أن يداس شرفها بالأقدام ونصبح فيها، نحن أبناءها الأعزاء، ممقوتين غرباء» (32).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015