فرنسا، حيث كان يحسبه حيًا أكثر من أي مكان آخر، إذ كانت فرنسا غريمًا لإنكلترا، ومهد الثقافة الأوروبية كما عرفها دائمًا، وأم الثورة الفرنسية. وكان أول عمل رسمي قام به في هذا السبيل رسالة قدمها، في 1895، إلى الجمعية الوطنية الفرنسية يطلب فيها مساعدة فرنسا لتحقيق الاستقلال. وقد أرفقها بصورة رمزية تمثل مصطفى كامل ووراءه شعب مصر يقدم طلبه إلى فرنسا، فرنسا التي «أعلنت حقوق الإنسان»، ودعمت التقدم والمدنية، وحررت عددًا كبيرًا من الأمم (24). وكان يشجعه ويساعده عدد من الفرنسيين من الرجال والنساء، أمثال الكاتبة القومية جوليات آدم والكاتب القصصي بيار لوتي. وكتب مصطفى كامل، في 1894، هذه العبارة: «إن حلمي هو أن أكون أخًا لبيار لوتي الذي أحب الشرق والمسلمين كما لم يحبهم ويفهمهم أي فرنسي من قبل» (25). لكن انسحاب فرنسا من فاشودا أثبت له أن فرنسا لم تكن قادرة أو عازمة على تحدي مركز بريطانيا في وادي النيل. وقد قضى اتفاق 1904 على آخر أمل لديه. فكتب في هذه الفترة إلى مدام آدم قائلًا: «إنني أكون سخيفًا لو اعتقدت أن فرنسا تستطيع أن تكون صديقة لمصر وللإسلام. فوداعا لكل أحلام الماضي، وليس لي في فرنسا سواك» (26).
وفي أعوامه الأخيرة حصر آماله في قوة السلطان العثماني من بين جميع القوى الأخرى. فكان يقول إن بقاء الإمبراطورية أمر ضروري للجنس البشري، إذ أن انهيارها قد يؤدي إلى حرب عالمية (27)، وأن على المسلمين أن يلتفوا حول عرش السلطان، وأن هذا الالتفاف مهم لمصر بنوع خاص، لأن الدول الكبرى لا تستطيع، ما دام السلطان سيدًا، أن تفعل بها ما تريد. فما تمكنت بريطانيا من احتلال مصر إلا لسوء العلاقات بين السلطان والخديوي، وهي لن تستطيع دمج مصر في إمبراطوريتها إلا إذا تمكنت من عقد اتفاق مع تركيا مماثل لاتفاقها مع فرنسا. لذلك فعلى الذين يريدون أن تكون مصر مستقلة أن يساعدوا على إبقاء تركيا مستقلة. وقد