منه إلى أتباع المدرسة الأفغانية الأكثر رزانة وتعقلًا. ولم يكن همه الرئيسي تحليل طبيعة المجتمع المصري ولا تربية المصريين على الفضيلة السياسية، بل تحريك الهمم في الصراع ضد البريطانيين.
كان يعتبر البريطانيين أعداء الشعب المصري، ويعتقد أن هذه العداوة لن تزول إلا بزوال الاحتلال. فوجودهم، في نظره، لم يكن ضروريًا للإصلاح. فالإصلاح يتم بدونهم، لا بل يتم على وجه أكمل (22). لذلك كان شعار حزبه، حتى طويلًا بعد موته: الجلاء الفوري بلا قيد ولا شرط. وبعد جيل، كان ما تبقى من حزبه يشكل الفريق السياسي الوحيد الذي رفض أن يشترك في المفاوضات الإنكليزية المصرية حول معاهدة 1936. وكان البريطانيون أيضًا، في نظره، أعداء الإمبراطورية العثمانية. وقد وضع تاريخًا مطولًا للمسألة الشرقية أوضح فيه العلاقة بين سياسات الدول والحركات الداخلية في الإمبراطورية، مشددًا على الأخطاء الناجمة عن الاستغلال البريطاني لهذه الحركات. قائلًا إن من الثابت أن بريطانيا عدوة العثمانيين من مسلمين ومسيحيين على السواء، وإنها، من أجل الاحتفاظ بمركزها في مصر، تعمل على إضعاف السلطان وتحول دون إثبات حقوقه في السيادة. لذلك أرادت نقل الخلافة من يد السلطان إلى رجل يأتمر بأمرها. وما فكرة الخلافة العربية إلا خطة بريطانية، وما كتاب بلنط، «مستقبل الإسلام»، إلا نشرة دعائية للسياسة البريطانية. زد على ذلك أن بريطانيا شجعت، للسبب نفسه، الحركات الانفصالية لدى المسيحيين، وتدخلت بينهم وبين سيدهم باسم الدين. لكن ذلك بقي بدون كبير جدوى، إذ حافظ معظم المسيحيين على ولائهم للسلطان الذي كانت حكومته تعاملهم دومًا معاملة حسنة، ولم يتجه إلى الدول الأجنبية سوى بعضهم، فعانوا المتاعب من جراء ذلك (23).
وكان مصطفى كامل يحاول تحريك العالم الخارجي ضد سلطة بريطانيا وخطتها. فكان يناشد الضمير الليبرالي في العالم وبالأخص في