القتيل. وكان كرومر في إجازة، ذلك الوقت، ففقد الذين كانوا متسلمين مهامه صوابهم، وأقاموا محكمة خاصة قضت بشنق عدد من القرويين وبجلد عدد آخر. وقد نفذت فيهم الأحكام بتشهير بربري، وما ترك في الشعور العام تأثيرًا عميقًا (12). وبضغط هذا الشعور وبفضل تخفيف شدة الرقابة في عهد كرومر في أعوامه الأخيرة، ثم في عهد غورست، خطا الوعي السياسي خطوة إلى الأمام، وظهرت الأحزاب السياسية المنظمة. فبرزت إلى الوجود في 1907 ثلاثة أحزاب، هي: الحزب الشعبي الذي أنشأه أتباع محمد عبده، وحزب الإصلاح الدستوري الذي أسسه علي يوسف، وكان بالواقع حزب الخديوي، والحزب الوطني الذي كان قائمًا، لسنوات خلت، فأعطاه الآن مصطفي كامل ورفاقه طابعًا رسميًا. وهكذا بدا مصطفى كامل، بعد أن تسلم زعامة الطلاب والشارع وبفضل نمو الوعي السياسي والهيجان الشعبي، قادرًا على تسلم زمام الحكم، إلا أنه توفي في السنة التالية.
وبعد وفاته، أحيط بالشهرة التي خلفها وراءه بعض الالتباس. فكان، في نظر بعض المصريين من جيله، حتى لبضع سنوات خلت، زعيم مصر الحقيقي، لا يحجب مجده لديهم مجد زغلول والنحاس. أما محمد عبده ورفاقه، فاعتبروه خطيبًا شعبيًا فارغًا. وقد هاجمه بعض خصومه السياسيين، بعنف، فوصفه مثلًا زعيم «حزب الأحرار» القصير العدر «بالمنافق الدنيء ... والخائن لوطنك والعدو لشعبك! يا من حركك الشر فبعت نفسك مادحًا أساليب العبودية والاستبداد والانحطاط وأسوأ المفاسد ومبطنًا إياها بكلمات الحرية والإيمان» (13). لقد كان له في فرنسا مؤيدون عنيدون. أما في بريطانيا، فقد انقسمت حوله وحول نشاطه الآراء. فسماه السكرتير الشرقي للوكالة البريطانية، وكان رجلًا لا يخلو من العطف على المصريين وعلى الناحية الماجنة من الطبيعة البشرية، «دجالًا من الطراز الأول، ومخجلًا في حياته الخاصة، ومرتشيًا حتى قمة