أفكاره وبلاغته وصحفه نفوذًا لدى الشباب المثقف. لكن ما أكسبه النفوذ السياسي المباشر تأييد الخديوي عباس حلمي له وصلته به. وقد كان عباس، بخلاف سلفه توفيق الذي أعاده البريطانيون إلى عرشه، فكان، عن ضرورة وعن ضعف. آلة طيعة في يد كرومر، شابًا يكره الائتمار بأوامر رجل مسن ويرغب في أن يحكم بنفسه. أضف إلى ذلك أنه كان متأثرًا، وإن بمقدار ضئيل، بفكرة الوطنية المصرية. فوجد في مصطفى كامل أداة مفيدة للحد من سلطة كرومر، كما وجد مصطفى كامل فيه وسيلة لكسب النفوذ. وظن كل منهما أنه يستخدم الآخر. وعلى هذا الأساس المتزعزع قام بينهما تحالف ذو فائدة متبادلة. وكانت سياستهما واحدة: استخدام سلطة القصر وتأييد الجماهير ونفوذ إسطنبول وباريس لمنع مصر من الوقوع كليًا وبشكل دائم في دائرة النفوذ البريطاني. إلا أن هذا التحالف أخذ يضعف تدريجًا ببروز نقاط الضعف في هذه السياسة. فانخذال فرنسا في فاشودا، في 1898، والاتفاق الإنكليزي الفرنسي، في 1904، جعلا من الصعب التصديق أن بإمكان فرنسا دعم الوطنيين في مصر. فاتجه الخديوي، بعد 1904، نحو التقرب من البريطانيين، إذ أصبح هذا ممكنًا بعد اعتزال كرومر ومجيء غورست خلفًا له. وكان مصطفى كامل قد توصل إلى الاعتقاد أن اهتمام الخديوي عباس بسلطته الخاصة كان أشد من اهتمامه باستقلال مصر، كما كانت حاجته إلى الخديوي قد أخذت تتضاءل، إذ وجد له وسائل أخرى لنشاطه. من ذلك أن نمو طبقة الطلاب قد أتاح له مجالًا أوسع للخطابة والكتابة، كما أن حادث دنشاواي الشهير قد فجر الشعور بالذل الوطني. ففي 1906 نشب قتال بين أهالي قرية دنشاواي قرب طنطا على الدلتا وبين فريق من الضباط البريطانيين كانوا يصطادون الحمام في الجوار، فوقع بعض الجرحى من الضباط ومات أحدهم من الرعب ومن حرارة الشمس. فما كان من الجنود البريطانيين إلا أن ضربوا أحد القرويين حتى الموت بعد أن اكتشفوا جثة الضابط