وبتعبير آخر. كان هذا الذي زعمه كرومر ينفي أنه كان أو يمكن أن يكون هنالك أمة سياسية واحدة في مصر. فكل ما في الأمر أن هنالك عددًا من الجماعات المنفصلة، بعضها عن بعض، لكنها تشترك فيما بينها اشتراكًا متساويًا في الحكم. وإذا ما بلغت مصر الحكم الذاتي. توجب إنشاء «مجلس تشريعي دولي» تتمثل فيه الجاليات الأجنبية وفقًا لعددها، وعلى بريطانيا أن تبقى في مصر لعدة سنوات بعد ذلك، إن لم يكن لعدة أجيال. إلا أن مثل هذه الأفكار كانت تتعارض تمامًا مع أفكار محمد عبده ورفاقه. وقد نشأت كتابات لطفي السيد السياسية عن الحاجة إلى دحضها دحضًا عقليًا. غير أنها استدعت، لدى فئة أخرى، جوابًا أعنف، يؤكد من جديد وجود أمة مصرية يجب أن تحكم نفسها بنفسها. كان مصطفى كامل هو مؤسس هذه الوطنية الجديدة وزعيمها. وما أن جاء 1913 حتى كانت أفكار أتباعه وأتباع محمد عبده قد تقاسمت عقول المصريين وولاءهم.

ولد مصطفى كامل في 1874، وهو تاريخ له أهميته (11). وقد بدأت حياته السياسية في السبعينيات وتوفي في 1908. لكنه كان ينتمي إلى جيل لم يبلغ، على وجه العموم، النضج السياسي إلا فيما بعد. كان له من العمر ثماني سنوات فقط عندما احتل البريطانيون مصر. وهذا يعني أنه لم يتذكر ما كانت عليه مصر قبل مجيء البريطانيين. لقد كان معقولًا أن يتردد أبناء الجيل السابق في رفض سلطة البريطانيين رفضًا قاطعًا، وذلك إما لشعورهم بالضعف، أو لعجزهم عن أن ينكروا أن مصر كرومر كانت في كثير من النواحي أفضل من مصر إسماعيل. أضف إلى ذلك أن إخفاق حركة عرابي بددت ثقة الناس بعدد منهم. فلما أعاد انتعاش قوة مصر وازدهارها إلى الأمة ثقتها بنفسها، لم ينهض واحد منهم ليتزعم حركة المقاومة الوطنية، فملأ ذلك الفراغ شاب في العشرين من العمر تجدوه ثقة الشباب الصلبة ويعتبر إنكلترا العدو الأوحد.

كان هذا الشاب ينتمي هو أيضًا إلى ذلك الجيل الذي أفاد من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015