كما أخضعها لسلطة حاملي الأسهم الأجانب، ولنظام الامتيازات الاقتصادية والحقوقية الخاص بالجاليات الأجنبية. وهكذا انهارت، على حد تعبير لطفي السيد، ثقة الأمة بنفسها قبل أن تشتد، أو تزعزعت، على الأقل لدى طبقتها المثقفة الصغيرة. فالذين شاهدوا، بعد «تل الكبير»، تصدع الأمة وعدم أهلية زعيمها وعجز مصر اليائس أمام دولة أوروبية، اعتزلوا أو استنتجوا من هذه العبرة، كما فعل محمد عبده نفسه، أن مصر، ما دامت عاجزة عن إخراج البريطانيين، فلتحاول الاستفادة من وجودهم. لكن عندما أخذ الشعور الوطني، بعد نصف جيل، يبرز من جديد، كان قواده أحدث سنًا وأشد تصلبًا. ولم ينجم ذلك عن سنوات الاحتلال العشر وعن الفارق بين الصراع لمنعه والصراع لإنهائه فحسب، وإنما نجم أيضًا عن تحد جديد جاء يهدد الفكرة الوطنية. فبينما كان على رجال السبعينيات من القرن التاسع عشر أن يحاربوا التمسك بالقديم لدى المحافظين المسلمين والجمود لدى الشعب، كان على رجال التسعينيات أن يقارعوا أيضًا فكرة أتت من الخارج، أي من حكام مصر البريطانيين والجاليات الأجنبية المسيطرة على حياة مصر الاقتصادية، تقول بأن مصر لا تشكل أمة ولا يمكنها تحقيق كيان وطني مستقل. ومع أن هذه النظرة يمكن اعتبارها تعبيًرا عن مصالح الدولة الحاكمة والتجار الأجانب، فقد كان لها بعض التأثير على عقول المصريين المثقفين أنفسهم. وإننا لنعثر بشروح لها في تقارير كرومر السنوية، كما في كتابه «مصر الحديثة». وقد نشأت الرغبة لدى لطفي السيد والوطنيين الجدد في دحض هذه النظرة التي تتلخص في أن الحكم الذاتي الحقيقي الوحيد الذي يناسب مصر هو الذي يسمح لجميع القاطنين فيها من مسلمين ومسيحيين، ومن أوروبيين وأسيويين وأفريقيين أن ينصهروا معًا في هيئة حاكمة واحدة. فإذا لم يتحقق ذلك، وقد يتطلب تحقيقه أعوامًا لا بل أجيالًا، فمن الضروري أن تتخلى مصر عن فكرة الحكم الذاتي (10).