هي قيادة من نوع آخر، أي قيادة مدنية أو سياسية. إن دعوة الإسلام قد أنشأت جماعة دينية إسلامية. لكنها أنشأت أيضًا، كنتيجة جانبية لها، أمة عربية ودفعتها في طريق التقدم. فأسس العرب دولة بعد وفاة النبي ضمن الجماعة الروحية التي أنشأها. فقلدوا الخليفة الأول أبا بكر ما هو، جوهريًا، سلطة سياسية وملكية قائمة على القوة. فكانت دولته «دولة عربية قامت على أساس دعوة دينية» (69). لا شك في أنها ساعدت على انتشار الإسلام، لكنها كانت تعني أصلًا بمصالح العرب. إلا أن هذا لم يتضح لجميع المسلمين في ذلك الوقت. فقد اعتقد الكثيرون، نظرًا لفضائل أبي بكر الدينية ولحذوه حذو النبي في سلوكه، أن له وظيفة دينية أيضًا، ناهيك باللقب الذي اتخذه لنفسه، وهو «خليفة رسول الله»، مما كان لا بد من أن يوحي بالولاء الديني، مع أنه لم يكن يعني سوى أن أبا بكر قد خلف الرسول كزعيم للعرب. وهكذا تأصلت الفكرة الخاطئة في الخلافة منذ ذلك الحين، وراح يشجعها الحكام المطلقون، تأمينًا لمصلحتهم. تلك، عند عبد الرازق، جناية الملوك واستبدادهم بالمسلمين ... «والحق إن الإسلام بريء من تلك الخلافة التي يتعارفها المسلمون» (70). إن الدين لا شأن له بهذا النوع أو ذاك من أنواع الحكم. وليس في الإسلام ما يمنع المسلمين من هدم نظامهم السياسي القديم وبناء نظام جديد على أساس أحدث نظرات العقل البشري وخبرة الأمم.

أثار كتاب عبد الرازق عاصفة كبرى، كانت نتائجها وخيمة عليه. فقد هاجمه وشهر به مفكرون مسلمون من ذهنية أخرى، وأدانه رسميًا مجلس من كبار علماء الأزهر. وفي إدانتهم إياه دحضوا، استنادًا إلى نصوص من القرآن والحديث، سبع قضايا تضمنها الكتاب أو ادعوا أنه تضمنها، وحكموا بأن مؤلفه ليس أهلًا لأي منصب عام (71). وعاش عبد الرازق، حتى آخر أيام حياته، عيشة منزوية، كتب خلالها كتابًا أو اثنين لم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015