الدنيا، بل قيادة الناس إلى الله. وقد أنشأ محمد، بفضل هذه السلطة، جماعة، لكنها لم تكن من النوع الذي نسميه عادة «الدولة». فلم يكن لها علاقة جوهرية بحكومة دون سواها ولا بأمة دون أخرى. والحقيقة أن الإرادة الإلهية لا تعني بأشكال الحكم. فقد ترك الله حقل الحكم المدني والمصالحة الدنيوية لمباشرة العقل البشري. وليس من الضروري حتى توحيد الأمة سياسيًا؛ فتلك أمنية مستحيلة عمليًا، حتى لو كانت ممكنة، فهل هي خير؟ لقد أراد الله أن يكون تمييز بين القبائل والشعوب وأن يكون تنافس بينها «كي تتكامل المدنية» (67).

إن وحدة الأمة لا تقوم، إذن، على وحدة الدولة. فالإسلام لم يعترف بأي فضل، داخل الأمة، لا لقوم ولا للغة ولا لبلد ولا لعهد على غيره إلا بالتقوى (68). كانت الأمة الأولى عربية بالعرض. فقد كان عليها أن تبدأ بشخص معين وفي مكان معين. وقد اختار الله في حكمته عربيًا لدعوة العرب أولًا. لذلك كانت الجماعة الإسلامية عربية في مرحلتها الأولى، وعالمية، إمكانيًا، منذ البدء. لكنها لم تكن دولة عربية. فالقبائل والأقوام المختلفة في الجزيرة العربية التي تجمعت حول شخص الرسول قد احتفظت بطرقها الخاصة في الحكم. ولم يتدخل النبي في شؤونها الداخلية، وما كانت وصاياه لتتناول طرقها في الحكم. إن وحدة القلوب التي حققها الإسلام، لم تكن تشكل دولة واحدة. والبرهان على ذلك هو أن النبي لم ينص على حكم الجماعة الدائم بعد موته. فإما أن يكون قد توفي تاركًا جزءًا أساسيًا من رسالته دون أن تستكمل، وهذا محال، إذا كان مرسلًا حقًا من الله، وإما أن يكون تأسيس الدولة لا يشكل جزءًا من رسالته.

ويتبنى عبد الرازق الافتراض الثاني، فيقول إن رسالة النبي ما كانت إلا رسالة نبوية، وقد انتهت بموته وزالت معها السلطة الخاصة الممنوحة له. وإذا تسلم أحد من بعده قيادة الأمة، فتلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015