يكن عليهما اعتراض، دون أن يلعب في الحياة العامة الدور الذي لعبه شقيقه.
ليس من الصعب معرفة الأسباب التي أثارت تلك المقاومة ضد الكتاب. فقد أتى بنظرية تاريخية جديدة حول أمور كانت النظرة التاريخية المقبولة بشأنها بمثابة عقيدة دينية، كما أن تلك النظرية كانت مستمدة من مؤلفات في الإسلام وضعها كتاب غير مسلمين يمكن اتهامهم بمحاولة إضعاف تمسك المسلمين بدينهم، أكثر مما كانت مستمدة من المصادر الإسلامية الأساسية، وهي علوم التفسير القرآني والحديث. فقد أعلن أحد نقاد الكتاب، رشيد رضا، بأن الكتاب آخر محاولة يقوم بها أعداء الإسلام لإضعاف هذا الدين وتجزئته من الداخل. وقال آخر، محمد بخيت، إنه لا يجوز مطلقًا قبول ما يقوله غير المسلمين في الإسلام، وبنوع خاص ما يقولونه في الخلافة، ذلك الشبح الذي لو شاهده حتى في الحلم أشجع رجال أوروبا لارتعش خوفًا وهلعًا (72). وقال أيضًا إن عبد الرازق قد فضل نظرية السير توماس أرنولد التاريخية على إجماع الفكر الإسلامي بكامله. ثم أخذ يدحض بكثير من التفاصيل وبإسهاب بالغ تفسير المؤلف للتاريخ الإسلامي، مشككًا في معرفته للمصادر وفهمها. وقد أدلى بكثير من الأدلة ليدحض الفكرة القائلة بأن الحكم المنظم لم يقم في عهد الرسول، وبأن النبي لم يعلم شعبه التنظيم السياسي (73)، وليثبت أن الإجماع على وجوب نوع من أنواع الإمامة كاد يكون تامًا أكثر من الإجماع على أي مسألة عقائدية (74).
وقد وجهت إلى الكتاب تهمة أخرى أشد خطورة، هي التهمة التي وجهها العلماء وتولى الشيخ بخيت تنفيذها قائلًا: إن نظرية عبد الرازق تهدد، ضمنًا، نظام العقيدة الإسلامية بكامله، وذلك بمحاولتها هدم أحد أساسية: عقيدة الخلافة. فالمتكلمون المسلمون قالوا دومًا بأن بعض الأنبياء إنما أرسلوا إلى الناس لكشف الحقيقة عن الله والعالم، بينما أرسل بعضهم الآخر للدعوة إلى