الشريعة والحديث، لكنه من غير المرجح أساسًا أن يكون للنبي دور آخر. والثاني ما زعمه آخرون، كابن خلدون، من أن تنظيم الدولة كان يشكل جزءًا أساسيًا من عمل محمد كنبي. لكن هذا القول يتعارض مع روح رسالة النبي. والثالث ما زعمه آخرون أيضًا من أن النبي لم يقم إلا شكلًا بسيطًا جدًا من الحكم يتناسب مع الأوضاع البسيطة القائمة آنذاك (65). لكن الأخذ بهذا القول إنما هو تهرب من القضية. فنظام الحكومة النبوية، إن صح وجوده، لا يتصف فيما يبدو بالأوصاف الضرورية حتى لأبسط أشكال الحكم، إذ لم يكن فيه لا موازنة ولا إدارة نظامية.
ثم يدلي عبد الرازق برأيه الخاص، وهذا ما يشكل محور الكتاب، فيقول ببساطة كلية، أن محمدًا لم يكن له أي وظيفة أخرى غير وظيفة النبي الداعي إلى الحق، ولم يرسل لممارسة أي سلطة سياسية، وإنه لم يمارس بالواقع مثل هذه السلطة.
فالرسالة النبوية روحية صرف. وهنا يقول: «قد يتناول الرسول من سياسة الأمة مثل ما يتناول الملوك، ولكن للرسول وحده وظيفة لا شريك له فيها. من وظيفته أيضًا أن يتصل بالأرواح التي في الأجساد، وينزع الحجب ليطلع على القلوب التي في الصدور. له بل عليه أن يشق عن قلوب أتباعه ليصل إلى مجامع الحب والضغينة ومنابت الحسنة والسيئة ومجاري الخواطر ومكامن الوساوس ومنابع النيات ومستودع الأخلاق ... الرسالة تقتضي أصاحبها، وهي، كما ترى وفوق ما ترى، حق الاتصال بكل نفس اتصال رعاية وتدبير وحق التصريف لكل قلب تصريفًا غير محدود» (66).
وهكذا فقد كان لمحمد، كنبي، الصفات التي تقتضيها رسالته، وكذلك سلطته التي كانت أوسع من سلطة الزعيم السياسية ومختلفة بطبيعتها عنها. فهي سلطة روحية تنبع من خضوع القلب الحر المخلص الكامل ولا تقوم كالسلطة السياسية على إخضاع الجسد بالإكراه. وهي تستهدف، لا تنظيم شؤون الحياة في هذه