عندما يذكر الإمام، فهذا لا يستلزم وجود الحليفة بصورة دائمة، كما لا تعني إشارة الإنجيل إلى «إعطاء ما لقيصر لقيصر» ضرورة وجود القيصر بصورة دائمة. وأخيرًا ليس من إجماع حقيقي حول الموضوع. أما عدم الاعتراض على السلطة التي كان الخليفة يدعيها لنفسه، فهو لا يخلق إجماعًا ضمنيًا، لأن سلطة الخليفة كانت تقوم دومًا على القوة المسلحة. حتى عندما لم تكن هذه القوة ظاهرة للعيان، أو لم يكن من حاجة إلى استعمالها، ولأن التعبير الحر عن الآراء لم يكن ممكنًا آنذاك. فالتفكير الحر في السياسة كان بالواقع مستحيلًا. وهذا ما يفسر عدم قيام معالجة حقيقية للسياسة من جانب المفكرين المسلمين (63). إن الفرصة لحصول إجماع حر في الماضي لم تتوافر قط. كما لم تتوافر مثلًا عندما انتخب فيصل ملكًا للعراق بإشراف الإدارة البريطانية. أضف إلى ذلك أن وجود الخليفة ليس شرطًا ضروريًا للعبادة والخير العام. نعم، إن نوعًا ما من السلطة ضروري، لكن ليس من الضروري أن تكون من نوع معين. فعندما زالت الخلافة عمليًا في عصر المماليك، لم يتبين أن زوالها أثر في العبادة أو الخير العام في البلدان الإسلامية. بل بالعكس، كانت سلطة الخلافة مضرة بالإسلام. لا بل «نكبة على الإسلام والمسلمين وينبوع شر وفساد» (64).
ليست الخلافة إذن جزءًا ضروريًا من الدين الإسلامي. لكن كيف نشأت وكيف توصل المسلمون إلى اعتبار وجودها واجبًا؟ يتناول عبد الرازق السؤال الأول بالتفحص عن الحالة السياسية في زمن النبي. فيقرر. أولًا، أنه لم تكن هناك أي دلائل واضحة على وجود أي نوع من أنواع الحكم المنظم طيلة حياة النبي، مما يترك القضية بكاملها غامضة. لذلك علينا أن نحاول معرفة موقف النبي نفسه من إقامة دولة. على هذا، هنالك ثلاثة أجوبة تقليدية: الأول القول بوجوب التمييز بين دور محمد كنبي. وبين أفعاله كزعيم سياسي ومؤسس لملك زمني. وهذا القول لا يمكن دحضه، لأن له بعض التأييد في