السبيل هي خطوة مباركة، كتأسيس الجمعية التشريعية (على يد كتشنر في 1913)، حتى لو كانت سلطتها محدودة، وإنشاء الأحزاب السياسية، حتى لو لم يكن باستطاعتها بعد الاشتراك في الحكم. وكان يرى خطرين على هذا الوعي الذي كان لا يزال سريع العطب وغير كامل النضج: المثل العليا السابقة لأوانها في «الاشتراكية» أو «العالمية» من جهة، واليأس وضعف الثقة بالنفس من جهة أخرى (54).

كان من المألوف في مدرسة محمد عبده القول بأن الوسيلة الفعالة الوحيدة للنضج القومي والاستقلال الحقيقي إنما هي التربية. وقد وجدت هذه الفكرة في أواخر القرن تأييدًا قويًا لها في كتاب فرنسي أصبح الآن منسيًا، لكنه أحدث ضجة كبيرة في ذلك الحين، هو «مصادر تفوق الأنكلوسكسون» لديمولان. في هذا الكتاب يشرح ديمولان أسباب استيلاء الشعوب الأنكلوسكسونية على العالم وتسنمها أعلى درجات القوة والازدهار بين جميع شعوب العالم، وينسب ذلك إلى روح المبادرة الفردية التي عرف الأنكلوسكسون كيف ينموها إلى أقصى حد. وكان لهذا بدوره سببان: الأول أن الهدف الرئيسي للتربية عندهم كان تدريب الإنسان على العيش في العالم الحديث، بينما كانت التربية الفرنسية تستهدف إعداده للعيش في مجتمع مستقر قائم على العائلة والدولة؛ والثاني أن الروح القومية الفرنسية كانت عسكرية، تطالب بتضحية الفرد في سبيل مجد الأمة وعظمتها، بينما كانت القومية الأنكلوسكسونية «شخصية»، تقوم على حرية الفرد، وتستهدف خيره الشخصي. وقد أثر كتاب ديمولان كثيرًا في الفكر التركي والعربي، فتحكم بأفكار الأمير العثماني الليبرالي صباح الدين، وترجمه إلى العربية أحمد فتحي زغلول، شقيق سعد، مع مقدمة حلل فيها بتعابير قوية، شبيهة بتعابير لطفي السيد، ضعف المجتمع المصري من حيث الافتقار إلى العلم وإلى الشعور الوطني وإلى الصداقة الثابتة وإلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015