تقتضي التعاون معها في أي تدبير تتخذه في سبيل إنماء قوة البلاد (52) ولا شك في أن تنفيذ هذه السياسة يتوقف على الطرفين، إذ لا يمكن إتباعها إلا إذا كانت بريطانيا مستعدة أيضًا لإشراك المصريين في عملية الحكم. غير أن الأمر الممكن حاليًا إنما هو تقييد سلطة الخديوي المطلقة والتحرك على مراحل نحو الحكم الدستوري. لذلك عندما أنشئ الحزب الشعبي ووضع لطفي منهاجه، جاءت الإصلاحات التي اقترحها فيه متواضعة وحذرة، منها توسيع اختصاص الهيئات النيابية الحاضرة (مجالس الولايات والمجلس التشريعي)، وتعديل طريقة انتخاب أعضائها، وإنشاء مجلس شورى القوانين (53). لكن هذا لم يكن سوى خطوة أولى. أما الهدف، فكان إقامة حكم ديموقراطي يمكن تحقيقه بوجود البريطانيين الذين كانت مصلحتهم الحقيقية تقضي بالمساعدة على تحقيقه.
ورأى لطفي السيد أن الأمة، كلما بلغت مرحلة من مراحل الحكم الذاتي، تسنى لها أن تتذرع بها لتقوية الحياة الوطنية في مصر. لكن المركز الوضيع الذي يحتله العنصر الاقتصادي في فكرته عن القوة الوطنية يعكس الاختلاف بين عهده وعهدنا. فقد اعترف بأهميته، مبدئيًا، فقال إن على مصر أن توفي ديونها الأجنبية التي كانت علة فقدان استقلالها والتي ستبقى خطرًا عليها ما دامت باقية. وعليها أن تبني صناعاتها التي بدونها لا يمكنها أن تكون حرة حقًا. وما الصناعة التي أخذت تظهر في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين إلا مدينة في نشوئها لحلقة لطفي السيد. فبنك مصر والشركات التابعة له أسسها معاون له ورفيق في المدرسة هو طلعت حرب. ولم تكن تستهدف الربح فقط، بل كانت خطوة في سبيل الاستقلال الوطني. ومع ذلك، فلم تكن الصناعة في نظر لطفي السيد أساس القوة الوطنية. فكان ينادي بأن على المصريين أن يعوا أكثر فأكثر مسؤوليتهم تجاه الوطن، وإن كل خطوة في هذا