انتقد لطفي السيد الحكم البريطاني لا لأنه أجنبي، بل لأنه مطلق. فالمنافع التي جلبها ذلك الحكم لمصر لم تكن موضع شك. لكنه رأى أن إصلاح الشؤون المالية وتحسين الأوضاع الاقتصادية لا يحل القضية السياسية الحقيقية، وهي غياب العلاقة الروحية بين الحكام والمحكومين (48). كان حكم كرومر أوتوقراطيًا، قائمًا، آخر الأمر، لا على الاختيار الحر بل على الأسلحة البريطانية. وعندما خلف كرومر السير ألدون جوؤست في 1908، زادت الحالة سوءًا. فقد بعثته حكومة الأحرار البريطانية لتدشين سياسة جديدة أكثر ليبرالية. لكنه منح الخديوي مقدارًا أوسع من حرية العمل، مما حمل الخديوي على قطع علاقاته بالزعماء الوطنيين والانحياز إلى جانب البريطانيين. وهكذا وقعت البلاد تحت أوتوقراطيتين، فزالت الوحدة بين الحاكم والشعب، وهي التي كانت قائمة ما دام الحاكم على علاقة سيئة مع كرومر (49).
ورأى لطفي السيد أن من الواجب إحلال شيء آخر محل الأوتوقراطية. لكنه لم يتوقع الحصول على الاستقلال الفوري. لذلك اقتضى مواجهة الحقائق، وهي أن بريطانيا قوية، وأن لها مصالح جوهرية في مصر، وأنها هي نفسها قد أعلنت عن بقائها في مصر إلى أن تصبح هذه قادرة على حماية تلك المصالح. وإذن، لا يمكن إخراجها بالقوة. ولو قبلنا بالفكرة الرومنطيقية القائلة «بالكفاح في سبيل الاستقلال»، فإنما نؤجل بلوغ ما نسعى إليه. من هنا، في نظره، كانت هفوة عرابي باشا المميتة. فهو لم يكن ذا نوايا سيئة، كما لم يكن خائنًا بأي معنى من المعاني. غير أنه أخطأ في تقدير قوة مصر، ووقع ضحية «المحرضين الإنكليز» (يشير هنا بوضوح إلى بلنط) (50). أما السياسة السليمة الوحيدة، فهي أن نحمل قول إنكلترا على محمله الحرفي. نعم، هناك ما يدعو إلى الريبة في نواياها، إذ أنها قدمت العذر تلو الآخر لتمديد احتلالها، وخلقت الشعور بأنها باقية إلى الأبد (51). لكن مصلحة مصر