فاقترح أن يكون لمصر نواب في مجلس المبعوثان. لكن هذه الحجة بدت للطفي السيد مبنية على مقدمة خاطئة، هي الزعم بأن الحكم الذاتي الذي حققه محمد علي والخديوي إسماعيل إنما استهدف الأسرة الحاكمة وحلها، وبأن مصر ليست سوى ولاية من الإمبراطورية آلت إلى تلك الأسرة كإقطاع. أما واقع الأمر، في نظره، فهو أن محمد علي كان يعمل لمصر لا لنفسه، وبأن معاهدة لندن في 1841 التي اعترفت بحكمه الوراثي على مصر كانت اعترافًا واقعيًا أيضًا باستقلال مصر الداخلي وسيادتها الوطنية (46).

لذلك كان لطفي السيد يفكر بالأمة المصرية عندما تناول حق الشعوب الطبيعي في حكم ذاتها، ودعم هذا الحق بنظرية جديدة في التاريخ المصري، هي أن أهم واقع في تاريخ مصر، أي الواقع الذي يفسر وضع شعبها النفسي، هو أنها ما حكمت إلا بالقوة القاهرة. فهي لم تتمتع يومًا، كاليونان، «بالحكم المنطبق على قواعد علم السياسة»، إذ كان الحكم فيها، أكثر الأحيان، أجنبيًا من حيث الجنس أو الدين أو العادات أو الأخلاق، يستهدف دومًا وقبل كل شيء مصلحة الحاكم أصلًا، ومصلحة المحكومين بالعرض. وعلى هذا الأساس تكون الخلق القومي، إذ كان على المصريين أن يتظاهروا بولاء لم يكن لديهم، ففقدوا حريتهم الداخلية وشجاعتهم وصلتهم الروحية بالحكم. ومن هنا مصدر جميع رذائل الخنوع التي أفاض لطفي السيد في وصفها. لكن الحال بدأت تتغير في أواسط القرن التاسع عشر. فظهرت بوادر يقظة حقيقية. غير أن ثورة عسكرية سابقة لأوانها أتاحت للبريطانيين احتلال البلاد، فأعاد هذا الاحتلال الأجنبي الحالة الخلقية إلى ما كانت عليه من قبل. فأخذ الشعب، من جديد، ينظر إلى حكامه البريطانيين كما ينظر إلى الأجانب الآخرين، أي بريبة وحذر لم يقو على إزالتهما أي كسب مادي (47).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015