لا للاعتزاز به فحسب، بل لأنه أيضًا يلقنهم «قوانين النمو والتقدم» (40). وهنا نجد صدى لفكرة الطهطاوي القائلة بأن مصر القديمة كانت حائزة، كمصر الحديثة، على «سر» التقدم الدنيوي. لكن المبتكر في كتابات لطفي السيد هو شعوره الطبيعي المرهف بمصر وبريفها. فهو يرى الجمال في حياة القرية على فقرها وبؤسها، كما يتذكر مناظر حقول القطن وجلبتها، ويرسم بألوان بهيجة فضائل الفلاح الطيب وسعادته، ويحث الجيل الجديد على التجاوب مع جمال الطبيعة وعلى إضافة تثقيف المشاعر إلى تثقيف العقل (41). ولعل لطفي السيد يعكس هنا تأثير تولستوي. فقد اعترف هو نفسه بأنه عندما قرأ تولستوي للمرة الأولى، أحدث فيه تأثيرًا عميقًا إلى حد حمله على التفكير، ولو لفترة، بترك عمله والعودة إلى القرية.
كان شعور لطفي السيد بوجود مصر شديدًا، بحيث أهمل الإصرار على عناصر الوحدة الأخرى التي تكون الأمة في نظر الفلسفات القومية الأخرى. فمعظم القاطنين في مصر يشتركون في الأصل واللغة والدين. لكن لطفي السيد لم يحاول أن يجزم بأنهم وحدهم المصريون الحقيقيون. إذ أن الصلة التي تربط بين جميع القاطنين في مصر، الراغبين في ربط مصيرهم بمصيرها، قوية لدرجة أنها تتغلب بسهولة على اختلاف الدين أو اللغة أو الأصل. فما يجعل من المصري مصريًا إنما هو إرادته في اتخاذ مصر وطنه الأول والوحيد (42).
إن ما يتضمنه هذا القول من انتقاد إنما كان موجهًا إلى الكثيرين من سكان مصر الذين كانوا على ولاء مزدوج، لا سيما الشاميين والأوروبيين من الطبقة الوسطى، المتمسكين بجنسيتهم الأصلية أو بالحماية الأجنبية للاستفادة من «الامتيازات». فقد كانت مصلحتهم، في نظر لطفي السيد، ومصلحة سواهم من المصريين واحدة، وكذلك كانت رغبتهم في الحؤول دون انتقال السلطة بكاملها إلى يد البريطانيين، ناهيك بالفائدة المتبادلة بينهم وبين