خاطئة بين الحاكم والمحكوم هي علاقة الأمر والطاعة، علاقة «السيد والعبد» (37)، كما أنه يفصم عرى التضامن في الأمة بإزالة الثقة، ويعطل نشاط الآلة الإدارية. وهو مخالف للطبيعة البشرية ومخالف للعلم، إذ أنه قائم على اعتقاد وهمي بأن بعض الناس، أي الأقوياء والحكام، ليسوا من طينة البشر. بينما الحكومة الحقيقية هي التي تصدر عن الاتفاق الحر وفقًا لروح العدل الفطري. إن هذا الاتفاق هو ما يجعل القانون بعد صدوره ملزمًا للحكومة وللأفراد معًا. لذلك كان الحكم المقيد القائم على القانون هو النوع «الطبيعي» للحكم، وكان لكل جماعة الحق فيه. وهنا يخالف لطفي السيد معلمه محمد عبده، أو لعله يطبق مبدأه بشكل جديد في جيل كان أكثر ثقة بنفسه من جيل معلمه، فيقول بأن حق الجماعة في أن تحكم نفسها لا علاقة له بمستوى مدنيتها. فالاستبداد ضروري فقط للجماعات التي ليست على مدنية أصلًا. ولا معنى للسؤال هل الأمة معدة لحكم ذاتها. فالحرية وحدها تخلق روح الحرية، وليس باستطاعة الحكم المطلق أن يربي الناس على حكم أنفسهم بأنفسهم (38).

قلنا إن من المسلمات عند لطفي السيد أن الحكم يجب أن يقوم على الاتفاق الحر. لكنه رأي أيضًا أن بعض أنواع التجمع البشري قديمة وثابتة بحيث يمكن اعتبارها طبيعية كالفرد ولها ما له من حقوق، وأن الأمة أحد هذه الأنواع الطبيعية من التجمع البشري، وهي تخضع لقوانين طبيعية ولقانون الحرية العظيم قبل أي شيء آخر (39). ولما كان من الواجب أن يكون الفرد حرًا، كان من الواجب أيضًا أن تكون الأمة مستقلة. وكان لطفي، كغيره من المفكرين المصريين، لا يحدد الأمة على أساس اللغة أو الدين، بل على أساس الأرض. وهو لم يفكر بأمة إسلامية أو عربية، بل بأمة مصرية، أمة القاطنين أرض مصر. إذ وعى، كالطهطاوي، استمرار التاريخ المصري. فلمصر في نظره ماضيان: الماضي الفرعوني والماضي العربي. ومن المهم أن يدرس المصريون الماضي الفرعوني،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015