ويتحدثون، بالسوء عن الآخرين. ناسبين إليهم بواعث دنيئة (33). ثم إن المصريين يعبدون القوة. وعلى ذلك يستشهد بأهازيج الفرح التي رحب بها الناس في شوارع القاهرة بونابرت عند عودته من سوريا (34). وبكلمة، إن المصريين يفتقرون إلى الاستقلال الشخصي والحرية الحقيقية؛ ولذلك فهم ليسوا بشرًا بمعنى هذه الكلمة الأكمل. وإذا تفحصنا كل هذه العيوب وأمثالها وجدنا أنها تنبع كلها من مصدر واحد هو موقف المصريين الخاطئ من السلطة. فهم يتطلبون من الحكومة أن تقوم عنهم بكل ما ينبغي أن يقوموا به هم. لذلك اتكلوا عليها وتنازلوا عن حقوقهم وواجباتهم. لكنهم مع هذا لا يثقون بها ولا يحبونها، بل يخشونها ويشكون بها ويحاولون الهرب من رقابتها. كأنها غريبة عنهم ومعادية لهم. ومن هنا عطفهم على الذين يقعون في قبضة العدالة مهما كان ذنبهم. وفي ذلك يقول: «لا يعجب أحدكم أن يرى أكثر الناس في القرى يجتهدون في أن يحولوا بين متهم في جريمة وبين إثبات التهمة عليه. وليس كل السبب لهذا القيام بما تمليه العصبية القروية تفضيل الظلم على العدل، بل هو اعتبار أن الحكومة وأعوانها لا يسعون لمصلحة الأمة. فيقف الناس خفية في طريق أحكامها ولو تبين لهم أن ما فيه العدل» (35).
ثم يتساءل لطفي السيد عن الدافع إلى اتخاذ هذا الموقف الخاطئ من الحكومة، فيجده في أن المصريين أصيبوا دومًا بالنوع الفاسد من الحكومات. فكانت دومًا مستبدة، مما خلق فيهم رذائل الخنوع. وهم سهلون ومتساهلون، لأنهم عاجزون، وأذلاء ومراؤون، لأن الحاكم المطلق لا يقبل بأقل من الخضوع التام (36).
إن الاستبداد المستمر طويلًا يهدم الكائن البشري الفرد كما يهدم المجتمع. إنه يحول دون نمو الطبيعة الخلقية على أتمها. وبكلمة، إنه يجعل من الإنسان أقل من إنسان. لذلك كانت الحرية السياسية شرطً ضروريًا لأي نوع من الحريات. فالاستبداد يخلق علاقة