تكتسب لديه معنى خاصًا، بالنظر إلى حسه الحاد بعلاقتها بمصر. فعندما يكتب مثلًا عن حرية القضاء، يصرح بأنها غير موجودة في مصر، لأن الحكومة مطلقة التصرف تتحكم بالمحاكم كما تتحكم بكل شيء آخر، ولأن القضاة المصريين لا يشعرون بمعنى الرسالة بل يستخدمون منصب القضاء كمنطلق لوظيفة رسمية تؤدي منطقيًا إلى كرسي الوزارة. وهكذا أيضًا عندما يكتب عن الحرية الفكرية تكون مصر ماثلة أمام ذهنه. كانت مصر تتمتع في أواخر القرن التاسع عشر بحرية واسعة في القول والنثر بفضل «الامتيازات» التي منحت معظم الصحف تسهيلات خاصة وأمنت لها الحماية الأجنبية، وكذلك بفضل تأثير اللورد كرومر. لكن الحال تغيرت بعد 1907، حين لم يشاطر خلفاء كرومر اعتقاده أن الصحافة الحرة هي صمام الأمان للشعور الشعبي، إذ كان عليهم ومعالجة نوع مختلف من الشعور. فالشعور الوطني كان آخذًا بالاستيقاظ من جديد وبالتعبير عن نفسه بواسطة الأحزاب السياسية المنظمة. وفي 1905، بعث من جديد قانون المطبوعات لعام 1881 الذي كان قد عفي عليه الزمن، فأجاز للحكومة، وإن بشروط معينة، إلغاء الصحف. وقد قاوم لطفي السيد هذا القانون باستمرار، مستخدمًا حجج ستوارت مل الكلاسيكية، لكن بنبرة جديدة من الإلحاح (31).

لم يكن المجتمع المصري على ما ينبغي أن يكون. لكن الأهم من ذلك، في نظر لطفي السيد، أن الفرد المصري لم يكن كذلك أيضًا. وإننا نجد هنا وهناك في مؤلفات لطفي السيد تحليلًا دقيقًا ومفصلًا وساخرًا أحيانًا لما كانوا عليه المصريون. فالمصريون مراؤون في مديحهم وممالقتهم للأقوياء، لأنهم لا يعتبرون أنفسهم كائنات بشرية مستقلة. وهم متساهلون ويرددون «ما عليش» ولكل ما يحدث، وفي هذا نوع من الفضيلة، لكنه نوع متأصل في النفوس الضعيفة. إنهم خانعون، يقبلون بالإهانات والتحقير كي لا يخسروا وظيفة أو لا يصدر عنهم احتجاج (32). وهم لا يثقون بعضهم ببعض،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015