من صغره إلى كبره. وهذا المبدأ هو مبدأ الخير والشر وما يتفرع عنه من الفروع الأخلاقية. لا شك في أن نظريات الخير والشر كثيرة التباين. ولكن الواجب على كل أمة أن تعلم بنيها نظريتها هي في هذا الشأن .. فعندنا (في مصر) إن مبدأ الخير والشر راجع إلى أصل الاعتقاد بأصول الدين، فعليه يجب أن يكون الدين من هذه الوجهة الأخلاقية هو قاعدة التعليم العام» (26).
وهكذا نرى أنه تخلى عن أول مبدأ من مبادئ محمد عبده واستعاض عنه بمبادئ جديدة، كما أخذ يطرح أسئلة جديدة لا تدور حول الشروط التي تؤدي إلى ازدهار المجتمع الإسلامي وانحلاله، بقدر ما تدور حول الشروط التي تؤدي إلى ازدهار أي مجتمع أو انحلاله. كذلك لم تكن المفاهيم التي أجاب بها على هذه الأسئلة مفاهيم الفكر الإسلامي، بل مفاهيم الفكر الأوروبي حول التقدم والمجتمع الأفضل.
ويبدو أن لطفي السيد ورفاقه تأثروا بنمطين من التفكير الأوروبي: الأول هو التفكير الذي عبر عنه، بطرق مختلفة، كل من كونت، ورينان ومل، وسبنسر، ودوركهايم، الذين ذهبوا إلى أن المجتمع البشري متجه، بحكم سنة التقدم الذي لا يعكس ولا يقاوم، نحو طور مثالي يتميز بسيطرة العقل، واتساع أفق الحرية الفردية، وازدياد التخصص والتشابك، وحلول العلاقات القائمة على التعاقد الحر والمصلحة الفردية محل العلاقات القائمة على العادات والأوضاع الراهنة. والثاني هو تفكير غوستاف لوبون الذي جذب إليه المفكرين العرب، عرضًا، لثنائه الجم على العرب لإسهامهم في المدنية. ومن غوستاف لوبون تعلم هؤلاء المفكرون العرب «فكرة الطبع القومي» القائلة بأن لكل شعب بنية ذهنية ثابتة ثبوت بنيته الجسدية، تتكون بالتراكم التاريخي البطيء ولا تتغير إلا ببطء وإلى حد ما، وبأن في هذه البنية الذهنية عنصرين أساسيين: الأول عنصر العقل، والثاني عنصر «الطبع»،