قائمًا على مبادئه. وأطلقوا عليه اسم «حزب الأمة»، وباشروا، في الوقت نفسه تقريبًا، بإصدار صحيفة «الجريدة» التي استمرت عن الصدور حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى، حين أصبح التعبير الحر عن الرأي أمرًا صعبًا. وكان ما يكتب فيها موجهًا إلى المثقفين. ولم يكن لها تأثير كبير في عامة الشعب، غير أنها تركت أثرًا عميقًا في نفوس الذين كانت موجهة إليهم.
إن القضية التي جابهت هذا الحزب كانت أيضًا قضية العلاقة بين الإسلام والمجتمع؛ لكن التعبير عنها جاء مختلفًا. فالذين أسسوا الحزب وكتبوا في «الجريدة» كانوا مصريين، يحسون بالولاء لمجتمع لم يكن من الممكن لهم أن يعتبروه جزءًا من الأمة الإسلامية وحسب. فقد أصبحت فكرة القومية المصرية على أيامهم مألوفة ومقبولة لدى الجميع. لكنها كانت فكرة بعيدة جدًا عن مفاهيم الفكر السياسي الإسلامي، وذلك لا لأن مسيحيين ويهودًا كانوا يقطنون مصر بالإضافة إلى المسلمين، بل لأن أساس الجماعة المصرية ذاته قد تغير في نظرهم. فما يجمع بين المصريين ليست الشريعة المنزلة، وإنما الصلة الطبيعية الناجمة عن العيش في الوطن الواحد. لقد كان المصريون مصريين قبل ظهور الإسلام وشريعته؛ وليس العهد الإسلامي إلا جزءًا من تاريخ متصل منذ عهد الفراعنة. لذلك كان المسلم المصري على ولائيين مستقلين، لا يمكن للواحد أن يذوب في الثاني: الولاء لمصر والولاء للإسلام. ومن هنا السؤال: ما هي وما يجب أن تكون عليه العلاقة بينهما؟ وقد تضمنت مقالات رئيس تحرير «الجريدة»، أحمد لطفي السيد (1872 - 1963)، طائفة كبرى من الآراء حول هذا الموضوع (25).
ولد لطفي السيد في قرية من قرى مصر السفلى من عائلة من الفلاحين تتمتع بزعامة محلية تقليدية كعائلة محمد عبده. لكن عائلة لطفي السيد كانت أحسن حالًا، إذ شغل أبوه وجده مركز العمدة في القرية. وحاز أبوه على لقب باشا؛ وعلى غرار محمد عبده أيضًا، كانت