كان يحكم بعد أن يبايعه أفراد الأمة، وأن هذا يدل على أن سلطة الخليفة من الشعب الذي هو صاحب الأمر. ونحن لا ننكر هذا، ولكن هذه السلطة التي لا يتمتع بها الشعب إلا بضع دقائق هي سلطة لفظية. أما في الحقيقة، فالخليفة هو وحده صاحب الأمر. فهو الذي يعلن الحرب ويعقد الصلح ويقرر الضرائب ويضع الأحكام ويدير مصالح الأمة، مستبدًا برأيه، غير مؤمن بأن الواجب عليه أن يشرك أحدًا في أمره» (22).

وبكلمة وجيزة، علينا أن لا نتحرى الكمال في الماضي، حتى في الماضي الإسلامي؛ وإذا كان له أن يوجد، فسيوجد فقط في المستقبل البعيد. أما الطريق المؤدية إليه فهي العلم. وأوروبا، في الوقت الحاضر، هي في ذروة التقدم في ميدان العلوم، كما أنها في طريق الكمال الاجتماعي. وهي قد سبقتنا في كل شيء. وما القول بتفوق أوروبا المادي علينا وبتفوقنا الروحي عليها إلا من نوع تعزية النفس، كما أنه غير صحيح. فالأوروبيون متقدمون خلقيًا علينا. نعم إن الطبقتين العليا والدنيا من المجتمع الأوروبي تفتقران إلى الفضائل الجنسية. لكن الطبقة الوسطى تتحلى بأخلاق عالية من جميع النواحي، كما أن جميع الطبقات حائزة على الفضائل الاجتماعية. فلدى الجميع استعداد لتضحية النفس، وهو أساس التضامن الحقيقي. وهذا يشرح قوله: «لم يهب رجل ألماني حياته ويترك زوجته وأولاده مساعدة لأمة البوير؛ ولماذا يحتقر عالم من العلماء طيب العيش ولذائذ الحياة ويرجح الاشتغال بحل مسألة أو كشف غامضة أو فهم علة؛ وكيف أن سياسيًا واسع الثروة عالي المقام يفني زمنه في تدبير الوسائل لإعلاء شأن أمته، وربما حرم نفسه راحة النوم في ذلك السبيل؛ وما هو المحرك لدى الرحالة الذي يقضي الشهور والسنين بعيدًا عن أهله وبلده ليكتشف منابع النيل مثلًا؛ وما هو الإحساس الذي يرضي القسيس بالمعيشة بين المتوحش مع ما يتكبده من أنواع العذاب وما يحيط به من أخطار؛ وما هذا الوجدان الذي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015