وما الحجج المستعملة ضد حرية المرأة سوى الحجج المستعملة ضد الحرية من أي نوع كانت، كحرية الصحافة مثلًا. إن حقوق المرأة قد تطورت مع تطور المجتمع البشري، فمرت بأربعة أدوار: حالة الطبيعة، حين كانت المرأة حرة، وعهد تشكيل العائلة، حين وقعت في الاستعباد الحقيقي؛ وعهد نشوء المدنية، حين اعترف لها الرجل بشيء من الحق، غير أن استبداده منعها من ممارسته؛ وأخيًرا، عهد المدنية الحقيقية الذي تبلغ المرأة فيه حقوقها الكاملة وتتمتع عمليًا بمركز الرجل (19). ويرى قاسم أمين أن البلدان الشرقية لا تزال في الدور الثالث، بينما بلغت البلدان الأوروبية الدور الرابع. وفي ذلك يقول: «فانظر إلى البلاد الشرقية، تجد أن المرأة في رق الرجل، والرجل في رق الحاكم. فهو ظالم في بيته، مظلوم إذا خرج منه. ثم انظر إلى البلاد الأوروبية، تجد أن حكوماتها مؤسسة على الحرية واحترام الحقوق الشخصية، فارتفع شأن النساء فيها إلى درجة عالية من الاعتبار وحرية الفكر والعمل» (20).

قد يبدو هذا القول مجرد انتقاد لانحطاط الإسلام، بالأسلوب الذي جعله الأفغاني شعبيًا. لكنه، بالحقيقة، أكثر من ذلك. إنه، في نظر قاسم أمين، انتقاد لا لمساوئ المدنية الإسلامية، بل للفكرة القائلة بأن هذه المدنية «مثال الكمال الإنساني». فالمدنية الكاملة تقوم على العلم. وبما أن المدنية الإسلامية بلغت أوج نموها قبل نشوء العلوم الحقيقية، فلا يمكنها أن تكون هذا المثال. وهي كسائر مدنيات الماضي لها عيوبها. فهي تفتقر إلى الأصالة الخلقية. وليس من دلالة على أن مسلمي العهد الذهبي كانوا أفضل أو أسوأ من غيرهم من الناس (21). كذلك، فإنها تشكو من النضج السياسي. فحكامها يمارسون سلطة غير مقيدة، وعلى غرارهم يفعل موظفوها، إذ ليس هناك من دستور يكره الحاكم على احترام الشريعة. و «سيادة الشعب» التي ترمز إليها البيعة لم تكن سوى مظهر شكلي، إذ كان الخليفة صاحب السلطة الفعلية. وفي هذا يقول قاسم أمين: «ربما يقال إن هذا الخليفة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015