المألوفة. فهو يرى أن الفساد لم ينجم عن البيئة الطبيعية، إذ قامت في بعض العهود مدنيات مزدهرة في هذه البلدان نفسها، كما أنه لم ينجم عن الإسلام، إذ أن تدهور الإسلام هو نفسه نتيجة لا سبب لتدهور القوة الاجتماعية. إن السبب الحقيقي للفساد إنما هو، في نظره، زوال الفضائل الاجتماعية، أي زوال «القوة المعنوية». وما سبب ذلك إلا الجهل، جهل العلوم الحقيقية التي منها وحدها يمكن استنباط قوانين السعادة البشرية. ويبدأ هذا الجهل في العائلة. فالعلاقة بين الرجل والمرأة، وبين الأم والولد، إنما هي أساس المجتمع، والفضائل القائمة في العائلة هي ذاتها الفضائل التي تستمر في المجتمع. وما دور المرأة في المجتمع إلا «إصلاح أخلاق الأمة» (3). وفي البلدان الإسلامية لم يرب الرجال ولا النساء التربية اللازمة لإنشاء حياة عائلية حقيقية (4)، والمرأة لا تتمتع بالحرية والمكانة اللازمين للقيام بدورها.

لكن أليس هذا، بدوره، مرده إلى الإسلام؟ كلا، يجيب قاسم أمين. فالشريعة الإسلامية هي أول قانون ساوى المرأة بالرجل، إلا في حالة تعدد الزوجات، وهي حالة نشأت عن أسباب قاهرة. لذلك فإن الفساد في الإسلام إنما جاء من الخارج، مع أولئك الذين اعتنقوه وجلبوا إليه «عاداتهم وأوهامهم»، فهدموا النظام الإسلامي الأصلي للحكم الذي حدد واجبات الحكام والمحكومين، واستعاضوا عنه بحكم القوة العاتية، فتفشى في المجتمع بكامله احتقار القوي للضعيف وامتهان الرجل للمرأة (5).

إن جوهر القضية الاجتماعية هو إذن مركز المرأة. وهذا المركز لا يتحسن إلا بالتربية. ولم يقترح قاسم أمين أن تثقف المرأة تثقيفًا عاليًا كالرجل، إذ آثر الاعتدال والحذر في هذا الأمر. وإنما نادى بأن لا يقل تحصيلها عن التعليم الابتدائي، لتتمكن من إدارة منزلها كما ينبغي، وتلعب دورها في المجتمع. وهذا التعليم ينبغي أن يشتمل على القراءة والكتابة وعلى بعض مبادئ العلوم الطبيعية والخلقية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015