عهد النبي، وبالنبي نفسه الذي استعان بالرأي وسمح لصحابته بأن يتذرعوا به (1). وهو يعالج المصادر التاريخية بدراية، ويعتمد مفهوم التطور التاريخي، مما يدل على تأثير الدراسة الأوروبية فيه. لكن هذا التأثير بقي منضبطًا بإحساسه بما هو الإسلام بالفعل وبما كان عليه من قبل.

على أنه ظهر، لدى الذين حاولوا الحفاظ على التوتر الذي أبرزه محمد عبده، تحول تدريجي في العلاقة بين عنصريه. فعبده لم يضع بالحقيقة نظرة نهائية في الإسلام تصلح لأن تكون طريقة للنظر إليه وإلى العالم، ولو فعل لخلق نوعًا جديدًا من التقليد. فكان من الطبيعي أن يهتم بعض أتباعه بناحية من تفكيره، وبعضهم بناحية أخرى. فنتج عن تشديد كل منهم تشديدًا زائدًا على ناحيته اختلال في التوازن الذي أقامه محمد عبده. وهكذا اتجه فريق من أتباعه، في السنوات التي تلت وفاته وبتأثير من إلحاحه على جوهر الإسلام الثابت ومتطلباته المطلقة، اتجاهًا شبيهًا باتجاه «السلفية» الحنبلية، بينما قام فريق آخر بتحويل إلحاحه على شرعية التغيير الاجتماعي إلى فصل الدين عن المجتمع والاعتراف لكل منهما بقواعد خاصة به.

وفي 1899، نشر قاسم أمين (1865 - 1908)، أحد أتباعه المصريين، كتابًا صغيرًا في تحرير المرأة. كان قاسم أمين من أصل كردي ذا تربية فرنسية. وقد عمل قاضيًا وكاتب مناسبات في القضايا الاجتماعية، فاشتهر بعض الشيء. لكن هذا الكتاب زاده شهرة. وقد انطلق فيه من المسألة المألوفة: انحطاط الإسلام، لكن بحسب مفهوم الداروينية للانحطاط. فزعم أن الأمة الإسلامية في تدهور، وأنها أضعف من أن تجابه الضغوط التي تشد عليها من مختلف الجهات، وإنها إذا بقيت على ضعفها فلن تتمكن من البقاء في عالم تسوده قوانين «الانتقاء الطبيعي» (2). لكن ما هي أسباب الفساد؟ وعلى هذا السؤال لا يقبل تقاسم أمين بأي من الأجوبة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015