الكهنة واستبدادهم! ولكن ليس هذا كل الإسلام: فهو أيضًا المساواة بين البشر، ومبدأ الشورى في الحكم، وحقوق العقل والعلم، ووجود نواميس طبيعية ثابتة للحياة الإنسانية، والتطلع الفكري إلى معرفة نظام الطبيعة، وحرية المناقشة والرأي، ووحدة الجنس البشري العملية على أساس التساهل المتبادل، وحقوق الإنسان في ميوله ومشاعره، والاعتراف بخير الإنسان ومصلحته كغاية نهائية للدين وكمبدأ للتقدم.

في مثل هذه المؤلفات «يذوب» الإسلام في الفكر الحديث، إذا جاز التعبير. لكن هناك أتباع آخرون لمحمد عبده احتفظوا بعقليته وطبقوا خطته بمثل ما كان يشعر به من مسؤولية. لقد أدخل محمد عبده تعديلاته على تعاليم الإسلام حول الخلقية الاجتماعية، متوسعًا بتحفظ في بعض المبادئ التي كان معترفًا بها في التفكير الإسلامي من قبل. ويظهر مقدار مهارة سواه في تطبيق هذه الطريقة في كتاب مفعم بروحه، وإن كان قد صدر بعد أربعين عامًا من وفاته، هو تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية، وضعه ومصطفى عبد الرازق. كان هذا ابن زميل سياسي لمحمد عبده، تلقى دروسه أولًا في الأزهر، ثم في السوربون على يد دوركهايم، وبعد سنوات صار أستاذًا للفلسفة في الجامعة المصرية، وعين الفترة قصيرة وزيرًا، ثم شيخًا للأزهر في 1945، حيث قام بإحدى تلك المحاولات اليائسة لإصلاحه، إلى أن توفي في 1947. وقد وضع عبد الرازق كتابه المشار إليه، على غرار كتب محمد عبده، ضمن إطار عقلانية القرن التاسع عشر، وطيف رينان أمامه. يبدأه بدحض ما زعمه رينان من أن الفلسفة الإسلامية لم تكن إسلامية ولا عربية بأي معنى جوهري، ثم يؤكد المركز الرفيع الذي يحتله العقل في الإسلام، ويحاول إثبات ذلك بتحليل علمي لمكانة الرأي في الفقه الإسلامي، مع التوسع في معناه بقدر ما يستطاع دون تحوير أو تشويه لتاريخ الإسلام، مستشهدًا في ذلك بالمفكرين المسلمين منذ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015