أتوا بتفسير للكون لا يفترض وجود الإله تعالى، من ديموقريطوس إلى داروين مرورًا بنظرائهما في الإسلام. وقد هاجمهم، لا لأنهم يهددون الحقيقة فحسب، بل لأنهم يشكلون، بحكم ذلك، خطرًا على رفاهية المجتمع وسعادة البشر. فهو يقول: إن الأديان الحقيقية تنطوي على ثلاث حقائق: أولًا: أن الإنسان ملك الأرض وأنبل خلق الله؛ ثانيًا: أن المجتمع الديني هو أفضل المجتمعات إطلاقًا، وثالثًا: أن الإنسان أرسل إلى هذه الدنيا ليحقق كماله استعدادًا للحياة الأخرى. وعن التسليم بهذه الحقائق الثلاث تنجم الفضائل الثلاث التي هي أساس المجتمع: الحياء والأمانة والصدق. فالدهريون الذين ينكرون تلك الحقائق إنما يهدمون أسس المجتمع الإنساني وينزلون الناس من على عرش المدنية الإنسانية إلى حضيض الحيوانية (51). إنهم يحتقرون الحياء على أنه ضعف لا فضيلة، وبإنكارهم يوم الحساب يستأصلون جذور الأمانة والصدق. وما هذا إلا سمًا خفيًا يتفشى في أطوار انهيار المدنيات جميعًا. فقد ظهر في العالم القديم بمظهر الفلسفة الأبيقورية، وفي فارس القديمة في شخص مزدك، كما وجد تعبيرًا له في التاريخ الإسلامي في الحركات الباطنية التي أولت الإسلام على غير حقيقته، فأضعفت الأمة الإسلامية ومهدت السبيل لحلول مصيبة الصليبيين بها. نعم، لقد احتفظ بعض المسلمين بفضائلهم الأصلية، فتمكنوا في آخر الأمر من طرد الصليبيين، إلا أنه لم يكن بإمكانهم استئصال الشر من الأمة فبقيت ضعيفة. وها هي الآن فريسة السموم الدهرية الجديدة التي ركبها في فرنسا مفكرو القرن الثامن عشر «الأحرار»، وجاء اليوم ينفثها في الإسلام السيد أحمد وأمثاله.

الإسلام إذن هو، أولًا وقبل كل شيء، إيمان بالتعالي، ثم إنه إيمان بالعقل. فهو يشجع الناس على استعمال قواهم العقلية بحرية لثقته بأن ما لا بد أن يكتشفوه بها لن يتعارض والحقائق المنزلة بواسطة النبوة. إن الإسلام وحده من بين الأديان الكبرى الذي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015