معدومة لدى الأتراك» فاختنق العقل البشري وقضي على التقدم على يد عدوة الرقي، الدولة القائمة على الوحي (40). والإسلام لا بد زائل بحكم انتشار العلم الأوروبي. وقد تنبأ رينان، في مكان آخر، بأن هذا سيتم قريبًا. وهو يستشهد، للبرهان على تأثير الاحتكاك بأوروبا في تفتح العقل الإسلامي، بوصف الطهطاوي لباريس الذي كان قد اطلع عليه، فيقول: «إن الشباب الشرقي الذي يأتي المدارس لينهل منها العلوم الأوروبية، يعود حاملًا، مع هذه العلوم، ما هو ملازم لها وغير منفصل عنها: الطريقة العلمية، والروح التجريبية، وحس الواقع، واستحالة الإيمان بالتقاليد الدينية المكونة، بصورة واضحة، بمعزل عن كل نقد» (41).

كان رينان يفكر، ولا شك، بالكثلكة وبالدين إجمالًا، عندما كان يكتب عن الإسلام. فالإسلام، في نظره، كالمسيحية، يقدم لنا، وأن على طريقته، مثالًا على النتيجة المفجعة التي يؤدي إليها المزج بين حقلين مختلفين: حقل العقل الذي يجب أن يسيطر على العمل الإنساني، مبتغيًا في النهاية الكمال الإنساني وانتصار المدنية، والذي يتجلى في العلم، في العصر الحديث؛ وحقل الدين الضروري أيضًا، لكن للتعبير عن مثل خلقي أعلى وحسب، أي عن «الجمال على الصعيد الروحي» (42)، وهو المثل الأعلى لنكران الذات الذي كان يسوع أكمل تجسيد له. ولا يرى رينان تناقضًا بين هذين الحقلين إذا ما فهما على حقيقتهما. فالاثنان عدوهما واحد: «المادية المبتذلة، أي دناءة الإنسان الأناني» (43). لكن التناقض بينهما ينشأ عندما يتعدى الواحد حدود الآخر، كما حصل مثلًا عندما ادعى العقل حكم العالم بدون الالتفات إلى حاجات القلب خلال عهد الثورة الفرنسية (44)، أو عندما تسلحت الديانات بالوحي الفائق للطبيعة لتكبيل العقل البشري بالقيود، كما فعلت المسيحية والإسلام على السواء. وقد رد الأفغاني على أقوال رينان هذه ردًا لا يشكو من العمق، فوافقه على أن الأديان، وإن كانت ضرورية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015