يوجهها إليه الأوروبيون. وعندها يقول بأنه لا يمكن للمسلمين استعادة قوتهم ومدنيتهم إلا بالرجوع إلى الإسلام، فإنما يقول ذلك بإلحاح أشد، لأنه كان قد أصبح من المسلم به لدى الفكر الأوروبي أن الدين على العموم والإسلام على الخصوص يقتل الإرادة ويقيد العقل، وأن التقدم لا يتحقق إلا بالتخلي عنه أو على الأقل، بفصل الدين عن الدنيا فصلًا حادًا.

عندها كان الأفغاني في باريس في الثمانينيات من القرن التاسع عشر، دخل في نقاش مع رينان. فرينان كان قد ادعى، في محاضرة له عن «الإسلام والعلم» ألقاها في السوربون في 1883، أن الإسلام والعلم لا يتفقان مما يستوجب القول: استنتاجًا، أن الإسلام والمدنية لا يتفقان. يقول رينان: «كل من كان مطلعًا بعض الاطلاع على أحوال زماننا يشاهد بوضوح انحطاط البلدان الإسلامية الحالي، وتقهقر الدول الخاضعة لحكم الإسلام، وانعدام معالم الفكر لدى الشعوب التي اقتبست من هذا الدين وحده ثقافتها وتربيتها. فجميع من يأمون الشرق أو أفريقيا يدهشهم ضيق التفكير المحدود بصورة حتمية لدى المؤمن الحقيقي، وذلك الطوق الحديدي الذي يطوق رأسه. فيجوله مغلقًا بإحكام في وجه العلم وعاجزًا عن تلقن أي شيء أو الانفتاح على أي فكرة جديدة» (38).

نعم، يعترف رينان بما يدعى بالفلسفة العربية وبالعلم العربي، ولكنه يذهب إلى أنهما إنما كانا عربيين باللغة فقط، بينما كانا يونانيين ساسانيين بالمحتوى (39). لقد كانا بكاملهما، على حد رأيه، من عمل مفكرين غير مسلمين عانوا ثورة نفسية داخلية على دينهم. وإذ قاومهم اللاهوتيون والحكام معًا، لم يتمكنوا من التأثير في المؤسسات الإسلامية. وقد بقيت هذه المقاومة محدودة طالما كانت السلطة في أيدي العرب والفرس، لكنها انتصرت انتصارًا تامًا عندما تسلم البرابرة، أي الأتراك في الشرق والبربر في الغرب، قيادة الأمة. «فقد كانت الروح الفلسفية والعلمية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015