العقيدة الصحيحة. لكن الخلافة انفصلت عن العلماء في عهد العباسيين، ثم زالت عمليًا من الوجود فيما بعد، وقام مقامها دول مستقلة، وبقي العلماء عنصر الوحدة الوحيد، وغدوا روح الأمة وقلب الشعب المحمدي (36). ولكنهم، مع مرور الزمن، انقسموا هم أيضًا على أنفسهم حول المعتقدات وانحرفوا جميعًا، ما عدا القليل منهم، عن الحقيقة إلى الضلال. فكانت النتيجة أن تفككت الجماعة نفسها. إذ أن الاعتقاد المجرد لا يكفي للإبقاء على وحدتها، وإنما يجب أن تدعمه حاجات وبواعث إنسانية حقيقية. يجب أن يكون هناك وحدة في القلوب والأعمال. فعندما لا توجد هذه الوحدة، تأخذ المعتقدات المشتركة في التعبير عن نفسها بالأحلام والتصورات دون سواها. وهذا ما كان حاصلًا بالفعل. فعندما يسمع الآن مسلم في بلد ما عن مصائب المسلمين في بلدان أخرى، لا يندفع لمساعدتهم فعليًا، بل إنما يخالجه ذلك النوع من التأسف الفكري الذي يراود الإنسان عندما يفكر بالميت (37).

لذلك، وهذا هو استنتاج الأفغاني، لن يأتي خلاص الأمة على يد الحكام الصالحين وحدهم، وليس هناك من طريق مختصرة لإحياء الإسلام، وما الصحف والمدارس وحدها بكافية لتحقيق هذا الهدف، مع أن بإمكانها أن تساعد على رفع مستوى الخلقية العامة ونشر فكرة الوحدة. إن الإصلاح الحقيقي للإسلام لا يمكن أن يتم ما لم يرجع العلماء إلى حقيقة الدين وما لم تقبلها الجماعة بكاملها وتعيش وفقًا لها. لكن ما هي حقيقة الإسلام؟

هذا هو السؤال الذي انصب عليه تفكير الأفغاني انصبابًا كاملًا. وإننا نجد في معالجته له عنصرًا جديدًا في التفكير الإسلامي: فالأفغاني لا يخاطب فقط إخوانه المسلمين لينقذهم من الأفكار الضالة التي غرقوا فيها منذ زمن طويل، بل يخاطب أيضًا، من وراء الأمة، عالم أوروبا المتعلم. إنه يريد، في آن واحد، هدم الآراء الخاطئة عن الإسلام التي تبناها المسلمون ودحض الانتقادات التي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015