إذا حسنت نواياه، أن تحقق الكثير من الخير بسرعة؛ لكن خطر الحكم الاستبدادي في أن كل شيء فيه يتوقف على أخلاق الحاكم. لذلك كان من واجب زعماء الرأي الوطني التخلص من الحاكم الفاسد قبل فوات الأوان (27). وفي هذا التصريح ما يلقي الضوء على حياة الأفغاني المضطربة وتنقلاته التي لم تنته قط.

لم يكن الأفغاني دستوريًا على أساس مبدئي، إذ كان مثله الأعلى للحكم مثل العقائديين المسلمين: حكم ملك عادل يعترف بسيادة الشريعة (28)، بل كان بطبيعته أوتوقراطيًا ولجوجًا. وقد صرف حياته بكاملها يفتش عن حاكم مسلم يمكنه بواسطته العمل على إحياء الإسلام، على غرار تلك الشراكة بين الحاكم والفيلسوف التي تخيلها الفارابي كبديل للملك الفيلسوف المثالي الذي لم يكن ليظهر إلا نادرًا. لكن آماله كانت تخيب كل مرة، إذ كان يعثر دومًا، إما على حاكم لم يطبع على العدل. أو على حاكم لا يعترف بسيادة الشريعة. ولم يكن الأفغاني ينتمي إلى الأكثرية المسالمة من المفكرين المسلمين. الذين كانوا يقولون بأن عليهم أن يحتجوا على ظلم الحاكم وأن يرضخوا له في الوقت نفسه، بل تبنى بالأحرى رأي الأقلية المؤمنة بحق الثورة. لذلك كان ينقلب بعنف على كل حاكم يخيب أمله فيه. وهكذا ساعدت مقاومته هذه على تقوية الحركات الدستورية والقومية التي كانت آخذة في الظهور آنذاك. أما الحكام الذين أملوا منه أن يعمل على جمع الكلمة حول عروشهم، فسرعان ما اكتشفوا أن قصده الحقيقي إنما كان تسخير سلطتهم لخدمة الإسلام.

ولكن لم يكن بوسع أصلح الحكام، حتى لو قدروا على إنجاز الكثير، أن يحققوا ما رآه الأفغاني ضروريًا. فعندما كان يتكلم عن الوحدة الإسلامية، لم يكن يعني فقط التعاون بين الزعماء الدينيين والسياسيين، بل كان يعني أيضًا تضامن الأمة، والشعور بالمسؤولية لدى كل من أبنائها تجاه الآخرين وتجاه المجموع، والرغبة في العيش معًا في المجتمع الواحد، والعمل معًا لخيره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015