وقد راودته، في آخر أيامه. فكرة المصالحة العامة بين الطائفتين. ولعل إمكانية توسيع الدعوة إلى الوحدة الإسلامية بحيث تشمل العالم الشيعي هو ما حمل عبد الحميد على استدعاء الأفغاني إلى إسطنبول. إذ يبدو أن الأفغاني كان، كعادته، يعد خطة من هذا النوع، تقضي بأن تعترف بلاد الفرس بالسلطان كخليفة، على أن يعترف السلطان بالشاه ويتنازل له عن المدن المقدسة في العراق، وبأن ينعقد مؤتمر في إسطنبول من الزعماء المسلمين لحل القضايا التي تهم الفريقين ولإعلان الجهاد ضد العدوان الغربي. ويبدو أن الأفغاني كان على صلة بعلماء الشيعة وغيرهم لهذا الغرض. ومع أن هذه الخطة لم تخرج إلى حيز الوجود، إلا أنها ربما تسببت بمقتل ناصر الدين الذي كان حكمه الشخصي يشكل عقبة في هذا السبيل (26).

وحذر الأفغاني من عدم السماح للانقسامات السياسية والمصالح المتعلقة بالعروش أن تحول دون الوحدة. إذ أن على الحكام المسلمين أن يتعاونوا في خدمة الإسلام. وهذا القول يفسر الكثير من موقف الأفغاني تجاه الحكام المسلمين ومن سيرة علاقاته العاصفة معهم. ثم إن الأفغاني لم ير إمكان أو ضرورة فرض سيطرة أحد الحكام المسلمين على الحكام الآخرين. وليس من دليل على أنه كان يفكر بإنشاء دولة إسلامية واحدة، أو ببعث خلافة العصور الأولى الوحدة. فهو عندما يتحدث عن الخلافة، يعني بها إما نوعًا من السلطة الروحية أو مجرد أولوية شرفية. إذ لو توافرت روح التعاون، فلا خوف على هذه السلطة الروحية من وجود دول متعددة، وإذا لم تتوافر، فالمسلمون غير ملزمين على كل حال بطاعة حاكمهم. وكان ينظر إلى حكام زمانه نظرة احتقار، وذلك لعدم جدارتهم بمناصبهم، ولانصرافهم إلى ملذاتهم وأهوائهم، بحيث وقعوا ضحايا أحابيل البريطانيين وألاعيبهم. لقد سمحوا لموظفين أجانب، لا تربطهم بالأمة رابطة الدين ولا رابطة العرق، أن يندسوا في مجالسهم ومشاوراتهم. ولا ينكر الأفغاني أن الحاكم المستبد يستطيع،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015