التقدم المتجه نحو هدفين: التطوير الاجتماعي، أي زيادة القوة الاجتماعية والرفاهية الاجتماعية، والتطوير الفردي، أي تطوير مواهب الإنسان ومشاعره وأفكاره (23). وكان غيزو يعتقد أن هذين النوعين من التطور في متناول الإنسان؛ وأن الإنسان يحكم العالم بأفكاره وعواطفه وطاقاته الخلقية والعقلية، وأن على وضعه الخلقي يتوقف وضع المجتمع، وأن لهذه الحالة الخلقية ناحيتين هامتين: العقل واستعداد الناس لتسخير ميولهم وأفعالهم له من جهة. والوحدة أو التضامن، أي قبول أعضاء المجتمع عامة للأفكار وللمبادئ الخلقية الناجمة عن العقل من جهة أخرى (24).
هكذا كان غيزو يصف أوروبا. غير أن هذا الوصف بدا للأفغاني (باستثناء مسألة هامة) منطبقًا أيضًا على المدنية الإسلامية. فقد كان للأمة الإسلامية في أوج مجدها الخصائص الضرورية للمدنية المزدهرة: التطور الاجتماعي، والتطور الفردي، والإيمان بالعقل، والوحدة والتضامن، وإن فقدت ذلك فيما بعد. كان مزاج الأفغاني السياسي يريه العظمة والضعف معًا في النواحي السياسية والعسكرية، إلا أن الانتصارات العسكرية في صدر الإسلام لم تكن في نظره سوي رمز لازدهار المدنية الإسلامية. وقد رأى أن ما أمكن تحقيقه في الماضي يمكن أيضًا تحقيقه الآن، وذلك بقطف ثمار العقل، أي علوم أوروبا الحديثة، وبإعادة بناء وحدة الأمة.
كانت الدعوة إلى هذه الوحدة تكمن في جميع ما كتبه الأفغاني. فهو يهيب بالمسلمين، صدًا للخطر المشترك المهدد لهم، ودفاعًا عن القيم الخاصة بهم، أن يسموا على الفروق في العقيدة والخصومات التقليدية، وأن لا يسمحوا للاختلافات الطائفية أن تقيم حواجز سياسية فيما بينهم، وأن يعتبروا بألمانيا التي فقدت وحدها الوطنية من جراء اهتمامها الزائد بالخلافات الدينية (25). ورأى الأفغاني أن من الممكن إزالة أعمق الخلافات، أي حتى الخلاف بين السنة والشيعة. فدعا الفرس والأفغان إلى الاتحاد بالرغم من كون الفرس شيعة والأفغان سنة.