مهما بدت محدودة النطاق، بدون أخذ المصالح الأوروبية بعين الاعتبار. وقد لمس الأفغاني هذه الحقيقة في كل مرحلة من مراحل حياته: في تدخله في سياسة أفغانستان، وفي أثناء إقامته وتنقله في الهند، ولدي سعيه لإثارة المعارضة ضد شركة أصحاب الأسهم في مصر أو شركة التبغ في بلاد الفرس. وكان يشعر، بفضل هذه الخبرة عينها، أن خطر إنكلترا كان أشد من خطر أي دولة أخرى. فمجلة «العروة الوثقى» تكاد تخلو من ذكر الاستعمار الفرنسي والهولندي والروسي، وإن كنا نعثر فيها على إشارة عابرة إلى احتلال فرنسا للهند الصينية (17). وهو، وإن تلهى لفترة بفكرة الحلف الإنكليزي الإسلامي لمقاومة التوسع الروسي، فقد كان إجمالًا يعتبر الحكومة البريطانية عدوة المسلمين. ولم يكن يخيفه منها الهجوم العسكري المباشر فحسب، بل الوسائل الأخرى التي كانت لديها والتي كانت في نظره أشد وأدهى. من ذلك أن الإنكليز غزوا الهند بالخديعة، وتوغلوا في الإمبراطورية المغولية بحجة مساعدة المغول (19)، ناهيك ببذرهم بذور الشقاق في صفوف ضحاياهم وبإضعاف مقاومتهم بإضعاف معتقداتهم، كإيفاد المرسلين من مصر إلى السودان، في عهد الجنرال غوردن، لنشر المسيحية البروتستنتية فيه، وتشجيع تعاليم المادية الزائفة في الهند (20).

كان الأفغاني يعتقد أن الدول الأوروبية لم تكن بالفطرة أقوى من الدول الإسلامية، وأن الفكرة السائدة عن تفوق إنكلترا على غيرها لم تكن سوى وهم، ووهم خطر، من شأنه، ككل وهم، أن يجعل الناس جبناء، فيجر عليهم ما يخشون وقوعه. وقد دلت انتصارات المهدي في السودان على ما يمكن للمسلمين أن يقوموا به ضد البريطانيين فيما لو استفاقوا من غفلتهم. وإذا كانت انتصارات المسلمين قليلة وانهزاماتهم هي القاعدة، فذلك عائد إلى انقسام المسلمين وجهلهم وافتقارهم إلى الفضائل العامة. ولو كانت كل من مصر والهند يقظة ومتحدة حقًا، لما استطاعت بريطانيا قط إحراز

طور بواسطة نورين ميديا © 2015