إنكليزي إسلامي. غير أن القضية المصرية كانت حجر عثرة في هذا السبيل. لذلك اقتضى وضع خطة هذه المرة أيضًا. وكانت الحكومة البريطانية قد أوفدت السير هنري دروموند وولف إلى إسطنبول للبحث في مستقبل مصر مع السلطان، على أن يذهب الأفغاني لمساعدته في المفاوضات. غير أن هذه الخطة فشلت أيضًا. وقد اختتمت زيارة الأفغاني إلى لندن بمشهد من تلك المشاهد المحزنة التي تتخلل حياة اللاجئين السياسيين. وهو أن اثنين من أصدقاء بلنط الشرقيين تشاجرا في منزله وتضاربا بالمظلات. وهنا يقول بلنط: «فما كان مني إلا أن رجوتهما بمغادرة المنزل، فخرجا، وتبعهما السيد (الأفغاني)، فاقترحت عليه إذ ذاك أن يجد له محلًا للإقامة في غير هذا المكان» (14).

ويئس الأفغاني من إمكان تحقيق اتفاق إنكليزي إسلامي. فذهب إلى بلاد فارس ثم إلى روسيا، سعيًا وراء إمكانات أخرى، ثم عاد إلى بلاد فارس مجددًا ليعمل مستشارًا للشاه ناصر الدين. لكن لم ينقض عام واحد حتى اختلف مع الشاه حول امتياز للدخان كان الشاه مصممًا على منحه إلى شركة أجنبية. ولما راح يؤلب الناس ضد هذا المشروع، نفاه الشاه، في 1891، فبدأ بحملة صحفية لإثارة المعارضة ضد سياسة الشاه في فارس وفي أوروبا أيضًا. وفي العام التالي دعاه السلطان عبد الحميد إلى إسطنبول، فعاش في كنفه ووطد نفوذه في البلاط، لكن لمدة قصيرة فقط، إذ تكررت القصة ذاتها هنا أيضًا. ذلك أن الشيخ أبو الهدى ناصبه العداء واعتبره، بوجه عام، مسؤولًا عن مقتل الشاه ناصر الدين في 1896. وسواء صح هذا الاتهام أو لا، فمن المؤكد أنه هو الذي ساعد على خلق الجو الذي جعل الاغتيال ممكنًا. فقد كان القاتل يعرفه، قيل إنه هتف في اللحظة القاضية: «خذها من يد جمال الدين» (15). ومن المؤكد أيضًا أن اغتيال الشاه أثلج صدره. وإن دل هذا الحادث على شيء، فإنما يدل على أن الأفغاني أبى أن يكون الخادم المطيع لأي أوتوقراطي اعتبر مصالحه الخاصة ومصالح الإسلام شيئًا واحدًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015