المصلح، نصيرًا قويًا. لكنه ما لبث أن أثار عليه حفيظة العناصر المحافظة، وذلك بمحاضرة ألقاها وبدا فيها كأنه يضع الفلسفة على قدم المساواة مع النبوة، كما فعل الفلاسفة المسلمون. فعاد إلى مصر مرة أخرى، في 1871، حيث أمن له الوزير المتحرر في أفكاره، رياض باشا، معاشًا من الحكومة. وقد بقي هناك ثماني سنوات ربما كانت أخصب حقبة في حياته، كان فيها الموجه والمعلم غير الرسمي لفريق من الشباب، معظمهم من الأزهر وممن كتب لهم أن يلعبوا دورًا هامًا في الحياة المصرية. كان بينهم، فضلًا عن محمد عبده، سعد زغلول الذي تزعم الأمة المصرية بعد خمسين سنة. وقد علمهم في بيته، أكثر الأحيان، ما رأى أنه الإسلام الصحيح، شارحًا لهم الكلام والفقه والتصوف والفلسفة (10)، كما علمهم أمورًا كثيرة أخرى: خطر التدخل الأوروبي والحاجة إلى الوحدة الوطنية لمقاومته، والسعي إلى وحدة أوسع للشعوب الإسلامية، والمطالبة بدستور يحد من سلطة الحاكم. كذلك شجعهم على الكتابة وإصدار الصحف وتكوين رأي عام. وهكذا أسهم، بواسطتهم، في تحريك الاختلاجات الأولى للوعي القومي وفي إثارة الاستياء من حكم الخديوي إسماعيل. كان لمدة قصيرة على صلة ودية بتوفيق ابن إسماعيل. لكن توفيق كان، كحاكم ليبرالي، أقل تساهلًا منه كولي للعهد. وعندما أصبح خديويًا، نفى الأفغاني إلى الهند، بضغط من القنصل العام البريطاني (كما خيل للأفغاني نفسه) أو خوفًا من تأثيره في الطبقات المثقفة.
صرف الأفغاني السنوات القليلة اللاحقة في الهند، حيث قيدت حريته بأمر من السلطات عندما احتل الإنكليز مصر. وفي 1884 آتى باريس حيث ألتحق به محمد عبده، فأسسا معًا جمعية سرية من المسلمين المصممين على العمل لأجل وحدة الإسلام وإصلاحه. لكن مدى انتشار هذه الجمعية ما يزال غامضًا، مع أنها كانت ذات فروع في تونس وفي أمكنة أخرى (11). وقد أصدر الاثنان باسمها